هنا كانت بلقيس تحكم، تتشاور مع خاصتها، تخبرهم أن «الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة»، هنا أعزة أهل اليمن السعيد، حيث «مأرب» النفطية، صاحبة الحضارة السبئية، يفتخر «المأربيون» بحضارتهم، ومياههم العذبة المحتجزة خلف سد «مأرب» التي تروى حدائقهم الخالية من القات، ففى مأرب وحدها تستطيع أن ترى مساحات شاسعة مليئة بجنان الفاكهة والشعير بعيداً عن مزارع القات التي تنتشر في محافظات عديدة باليمن، ومأرب هي محافظة يمنية تقع في الشمال الشرقى للعاصمة صنعاء على بعد 173 كم، تتركز بها نسبة كبيرة من ثروات اليمن ومصالحه الحيوية من نفط وغاز ومحطات للكهرباء، وتقطن مأرب قبائل يمنية عريقة، أغلب أبنائها من الطائفة السُّنية، فيما يتواجد بها نسبة بسيطة من «الهاشميين» من أصحاب المذهب الزيدى.
نكتة «مأربية» يرددها السبئيون، تلخص حقيقة الصراع هناك ومدى رغبة الحوثيين في السيطرة على مأرب لإحكام قبضتهم على اليمن الشمالى بأسره: يسأل مواطن «مأربى» بعض الحوثيين: «لماذا تريدون مأرب؟» يجيبه الحوثى: «لأنكم تقطعون الغاز عنا»، فيقول المأربى: «إذن فلن نقطع الغاز»، فيرد الحوثى: «ولكننا نريدها لأنكم تقطعون الكهرباء عن اليمن»، فيرد المأربى: «إذن فلن نقطع الكهرباء»، فيرد الحوثى: «ولكنكم ما زلتم تقطعون الطريق وتهددون الأمن»، فيرد المأربى: «نعدكم بألا نقطع الطريق بعد اليوم، فلماذا ما زلتم تريدون مأرب؟!»، فيفكر الحوثى طويلاً ثم يقول: «لماذا كشفت بلقيس عن ساقيها؟»، هذه النكتة السياسية تشرح ما تمثله مأرب من أهمية اقتصادية وأمنية بالنسبة لليمن، ورغبة الحوثى للسيطرة عليها دون إبداء أسباب لأن الأسباب معروفة مسبقاً.
مأرب هي محط أنظار الأطراف السياسية في اليمن، بالإضافة إلى القوى الدولية الأخرى، لأن السيطرة على المحافظة البالغة مساحتها حوالى (17405) كم بمثابة القبض على رقبة اليمن وترويضه؛ لذا يسعى الحوثيون بكل قوة للسيطرة على المحافظة دون مواجهات عنيفة حتى لا يقوم أهلها بتفجير حقول الغاز والبترول كما هددوا.
يجلس على «عرش بلقيس» في مأرب اليوم أحد قيادات حزب الإصلاح (الإخوان المسلمين)، هو الشيخ سلطان العرادة، محافظ مأرب، الذي جعل حشوداً كبيرة من رجال القبائل تتوافد إلى دروب صحرائها لتقف في وجه الحوثيين.
يوجد في المحافظة عدد من ألوية الجيش اليمنى أغلبها لحماية المنشآت الحيوية التي تقوم بدور المتفرج ولم تقم بأى عمل عسكرى لردع أي طرف من الأطراف.
مقولات عديدة تتردد بوقوف المملكة العربية السعودية خلف رجال المحافظة النفطية، حفاظاً على مصالحها في اليمن. أقاويل تتناثر عن وقوف المملكة إلى جانب القبائل ضد توسع الحوثيين، ولفرنسا في مأرب دور كبير، حيث ترتكز مصالحها هناك في عدة استثمارات منها شركة النفط الفرنسية العملاقة (توتال)، لذا فمأرب ليست حلقة لصراع داخلى يمنى بل أيضاً مسرح لصراعات المصالح الدولية على أرض اليمن.