لماذا عارضت قطر ضربة مصر ضد داعش ليبيا؟

أحمد الدريني الخميس 19-02-2015 21:17

مازال البعض حائرًا في فهم دوافع قطر، ولماذا بدت عليها أمارات كراهية مصر جليّة إلى هذا الحد؟

بل- بدت الشحناء من قلبها- لدرجة دفعتها لمعارضة الضربة المصرية لداعش ليبيا تحت الكثير من المزاعم الأقرب للهراء منها للتكييف السياسي لرأي ما صادر عن دولة.

بمعزل عن حقائق السياسة والتاريخ، فإن مشاعر الدول تجاه بعضها البعض، وفقًا لما تذهب إليه بعض نظريات العلوم السياسية، ما هي إلا تجل دقيق لمشاعر الأشخاص لبعضهم البعض.

دول تغار من دول، دول تكره دولًا، دول تحقد على دول، دول تنسحق في أزمنة بعينها أمام طراز معين من الدول!

والأمر بين القاهرة والدوحة لا يمكن تفسيره إلا في إطار هذه الرؤى وتلك النظريات النفسية.

(2)

من ناحيتها، اختارت الدوحة –بكامل إرادتها- أن تتحول لسمسار أزمات ووكيل اضطرابات ووسيط مفاوضات مشبوهة مع حفنة تنظيمات إرهابية ترتع في المنطقة بلا رادع حقيقي.

وفي الوساطة بين هؤلاء الخطرين.. وأولئك المفزوعين من «الخطرين».. ينتشي الطفل السادي الكامن في شخصية الدوحة السياسية.

وهنا يقودنا السؤال بنفسه إلى نقطة بعينها: لماذا نغّص التحرك العسكري المصري، في ليبيا تحديدًا، على قطر صفوها؟ بينما لم يهتز لها جفن إزاء الضربات (التي يُزعم أنها جادة) ضد معاقل داعش في سوريا والعراق؟

أظن الإجابة هنا تكمن في أمور ملموسة وممسوكة، خلافًا لما هو عليه الحال في معظم التساؤلات الدائرة حول سلوك قطر، والتي لا يمكن ردها لتفسيرات طبيعية من تلك التفسيرات التي تُساق في العلوم السياسية.

ففي السابع والعشرين من مارس 2011، وقبيل سقوط القذافي، كانت وكالة رويترز قد نقلت تقريرا من قلب ليبيا عن التربيطات التي أجرتها قطر مع المتمردين الليبيين، للحصول على النفط الليبي الواقع في حقول شرق البلاد، بغرض الاتجار به كما تشاء.

ومع إعلان الإسلاميين الراديكاليين (قبل أن يتحولوا إلى جماعات إرهابية صريحة) عن تصدير أولى شحنات البترول الليبي لقطر في ذلك التوقيت.. رفضت وزارة البترول القطرية التعليق على الخبر.

وكان للرفض مغزاه الذي لفت مراسلي وكالات الأنباء العالمية والصحف الدولية، وعلى أثره توالت التحقيقات والتحليلات الحائرة التي لم تفهم دوافع قطر كاملة، وإلى هذا الحين في 2011 لم تكن الرؤية قد اكتملت ولا المشهد قد تبلور.

تدشن على ضوء هذه الاتفاقات المشبوهة عصر جديد من الاستثمار القطري في «الاضطراب» الليبي، علنًا، عبر رجلهم عبد الكريم بلحاج، أمير الجماعة الإسلامية المقاتلة الذي سيصبح فيما بعد رئيس حزب الوطن الإسلامي، والذي سيتولى الإشراف على عمليات تمرير نفط بلاده للمستفيد الأم في قطر.

ستتوالى أخبار وتحليلات شراء قطر للنفط الليبي عبر الاتفاقات والتفاهمات التي عقدتها الدوحة مع القوى الإسلامية المتطرفة هناك. غير أن تحليلا جديرا بالانتباه سيكتبه المحلل الإسكتلندي جيمس ماكسويل، المتخصص في الشأن الليبي، سيطرح تساؤلات مثيرة للريبة حول طبيعة الدور القطري في «الحصول» على البترول الليبي عبر «الإسلاميين».

لكن أبرز ما سيورده ماكسويل هو توسع قطر في استثماراتها (البالغة 10 بلايين دولار) في ليبيا بعد سقوط القذافي في مجالي البناء والتعمير، لتضمن لنفسها حظًا من الكعكة الليبية، وفي سبيل ذلك لن تتورّع عن تسليح الإسلاميين الليبيين.

ومن ناحية أخرى، فإن استثمار قطر في مشهد الرعب والدم والرصاص في هذا البلد المترامي الأطراف والذي تتاخم مساحته حوالي 2 مليون كيلومتر مربع تقريبًا، يضع لقطر أفضلية تفاوضية في الواقع الجديد الذي فرض نفسه على الشرق الأوسط.

فبين الدول، تحتل قطر موقعها كإحدى أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، وبين الميليشيات تحتل مرتبة راعٍ رسمي وصديق مقرب من الجميع.

الضربة المصرية لليبيا هددت مصالح قطر ككيان طفيلي يتغذى اقتصاديًا على نكبة ليبيا، فضلًا عن أنها بدّدت بقسوة قوة أحد الطرفين اللذين تمرح قطر في علاقتها بينهما.. الدولة والميليشيا.