مقاطعة أم انتحار سياسى للأحزاب؟!

بدوي خليفة الخميس 19-02-2015 21:16

أعلنت بعض الأحزاب قرارها مقاطعة الانتخابات لعدة أسباب، من ضمنها تضييق مجال العمل السياسى أو العنف الأمنى أو لعيوب فى قانون الانتخابات يؤدى إلى سيطرة رأس المال وأصحاب النفوذ على البرلمان القادم.

بالتأكيد قامت الأحزاب المقاطعة بدراسة هذا القرار من كل جوانبه وتداعياته على مستقبل الحزب سياسيا، ولكن هل قامت الأحزاب بمراجعة تاريخية لحالات مماثلة للمقاطعة ونتائجها؟

فى دراسة لماثيو فرانكل Matthew Frankel من جامعة براونينج بعنوان «هدد لكن شارك: لماذا مقاطعة الانتخابات فكرة سيئة؟»Threaten but Participate: why election boycotts are a bad idea قام بدراسة ١٧١ حالة مقاطعة أو تهديد بمقاطعة للانتخابات فى الفترة من ١٩٩٠ حتى ٢٠٠٩ وأظهرت الدراسة ان المقاطعة أسفرت عن نتائج إيجابية فى أربعة فى المائة فقط من الـ١٧١ حالة.

نسبة ضئيلة جداً تدل على أن خيار المقاطعة لا يؤتى ثماره إلا فى حالات خاصة تملك فيها الأحزاب المقاطعة ظهيرا شعبيا ضخما تستطيع تحريكه لعمل مظاهرات ووقفات احتجاجية وإضرابات فئوية إلخ... بحيث يكون قرار المقاطعة جزءا من خطة كاملة لإسقاط العملية الانتخابية برمتها، كما حدث فى بنجلاديش ١٩٩٦، فى بيرو ٢٠٠٠، وفى تايلاند ٢٠٠٦.

هذه الظروف التى أنجحت قرار المقاطعة فى تلك الدول لا تنطبق على وضعنا الراهن، فلا الأحزاب المقاطعة تملك ظهيرا شعبيا كبيرا يتتبع خطاها، ولا أغلب الشعب عنده استعداد للمشاركة فى أى أعمال ثورية، بل على العكس فأغلب المواطنين ينشدون فترة من الهدوء والاستقرار.

حدد فرانكل الآثار السلبية للمقاطعة فى ثلاث نقاط:

الأولى: تهميش دور المعارضة، فخيار المقاطعة يخرج الحزب المقاطع طواعية من المشاركة فى إدارة شؤون الدولة، سواء على المستوى التنفيذى أو التشريعى، ويتحول هذا الحزب إلى معارضة صوتية معتمدا على رهان غضب الجماهير أو على فشل الحكومة، بلا أى تأثير فعال على مسار الدولة وقراراتها.

ثانيا: زيادة نفوذ الحزب الحاكم، ففى حالة مقاطعة المعارضة بصورة واسعة تخلو الساحة للحزب الحاكم لحصد المزيد من المقاعد والمناصب، وبالتالى يتحصل على الغطاء السياسى الذى يحتاجه لبسط سطوته وتمرير قوانين تصب فى مصلحته، أعطى فرانكل مثالا بهوجو شافيز فى فنزويلا، حيث تمكن من تمرير عدة تشريعات تصب فى مصلحة حزبه بسبب مقاطعة أحزاب المعارضة للانتخابات فى عام ٢٠٠٥ وسيطر حزب شافيز سيطرة شبه تامة على البرلمان.

ثالثا: حدوث نتائج غير متوقعة من آثار المقاطعة، وحصد أحزاب محدودة الشعبية عددا كبيرا من المقاعد البرلمانية كبديل عن الأحزاب المقاطعة، مثلما حدث فى انتخابات لبنان عام ١٩٩٢ عندما قاطع المارونيون الانتخابات البرلمانية اعتراضا على التدخل السورى المتزايد فى لبنان، وكانت نتيجة هذه المقاطعة فتح الباب للأحزاب الموالية للتدخل السورى- على رأسها حزب الله- للحصول على نصيب أكبر من مقاعد البرلمان.

أحزابنا المصرية- بالرغم من الجهود الصادقة لأعضائها- تواجه تحديات كثيرة، جزء منها داخلى يتعلق بنقص التمويل وقلة عدد الأعضاء الفاعلين ومحدودية الانتشار فى الأقاليم، وجزء خارجى يتمثل فى هجوم إعلامى متواصل على الكيانات الحزبية وضعف ثقة المواطنين بالأحزاب. فى ظل هذه الظروف الصعبة تعتبر الاستحقاقات الانتخابية فرصة للأحزاب للتفاعل مع الناخبين وكسب مؤيدين جدد.

هناك شريحة من المجتمع، خاصة من الشباب، ستقاطع الانتخابات، إما لأسباب أخلاقية، منها حبس الشباب بسبب قانون التظاهر، أو لفقدان الأمل فى الوضع السياسى.

مقاطعة الأفراد موقف شخصى ليس الهدف منه مكاسب سياسية، على عكس مواقف الأحزاب التى من المفترض أن يكون لها هدف استراتيجى من كل قرار تتخذه. أتفهم مقاطعة الأفراد للانتخابات، حتى إن لم أتفق معهم، ولكن لا أستسيغ فكرة أن يمتنع أى كيان سياسى عن المشاركة، وبالتالى إهدار فرصة ثمينة للانتشار والدعاية لرؤيته وبرنامجه، ففى أسوأ الظروف إن لم يحقق نتائج إيجابية فى انتخابات البرلمان، فسيحصد أرضية شعبية جديدة تدعمه فى انتخابات المحليات التالية.

عشنا عقودا فى مناخ سياسى مترهل يسيطر عليه حزب السلطة منفردا، ومن حوله أحزاب لا حول لها ولا قوة، ومع دولة جديدة ما زالت فى أول أبجديتها يصح أن يحاول كل كيان حزبى أن يفرض وجوده سياسيا، بصرف النظر عن كل الظروف المعاكسة، ويقوم بدوره فى بناء مناخ ديمقراطى جديد قادر على احتواء مختلف التيارات السياسية.

هناك بعض المخاوف المشروعة من شكل البرلمان القادم، ولكن كل الخوف أن يتحول قرار المقاطعة إلى انتحار سياسى لكل حزب مقاطع.

* أستاذ مساعد بكلية طب قصر العينى