على بعد دقائق من منفذ السلوم البرى، تنصب القوات المسلحة نقاط تفتيش لا يمر منها أحد دون أن يتم فحص متعلقاته الشخصية. ومنذ شهر، أغلقت إدارة شرطة السلوم المنفذ البرى الواصل بين الحدود المصرية الليبية أمام حركة سفر المصريين إلى ليبيا، مع السماح لهم بالعودة فقط.
يفصل بين السلوم ومساعد، أقرب المدن الليبية، نحو 15 دقيقة، حيث يعتلى المنفذ هضبة السلوم التى تفصل الدولتين، ويضطر القادمون من ليبيا، بعد تخطى المنفذ، إلى النزول من ممرات متعرجة فى بطن الهضبة. الطريق خلا لساعات بعكس ما كانت تملأوه سيارات النقل الثقيل منذ شهور.
فى الظهيرة وصلت سيارتان محملتان بحقائب العاملين المصريين داخل الأراضى الليبية، على بعد أمتار من نقاط التفتيش، تعتاد السيارات المحملة بحقائب السفر التوقف للتأكد من ربط الحقائب التى أنزلوها فى نقطة التفتيش، واحدة من السيارتين تعطلت واضطر راكبوها إلى الوقوف على الطريق الدولى فترة، 12 شابا يشتغلون فى أعمال البناء، شباب، أكبرهم سناً يبلغ 33 سنة، من الفيوم، ويدعى عبدالعظيم عبدالوهاب سنوسى، يعود لمصر، بعد أن سرق منه 1200 دينار قبل منفذ السلوم بـ100 كيلومتر داخل الأراضى الليبية، يقول: «ملثمون ولا أعرف لهم ملة، من درنة إلى مساعد، قُلت له ادينى 200 جنيه أرَوَّح بيها مارضيش».
المصريون العائدون من ليبيا يتوافدون على السلوم
سافر سنوسى إلى ليبيا 9 أشهر، بعد فشله فى مقاومة زيادة سعر إيجار الشقة التى يسكن بها هو وأولاده، 800 جنيه، غير مصاريف الأطفال والمدرسة، الأوضاع كانت هادئة فى الـ6 شهور الأولى: «قبل أعمال السرقة والسطو التى بدأ زملاؤه فى التعرض لها.. كانوا يقتحمون مساكننا ويطالبوننا بأن نعطى لهم أموالنا».
وفى الساعات الأولى من الليل، وأمام موقف السيارات بمدينة السلوم، وضع خلف الزناتى حقائبه وجلس عليها، انتظاراً لصديق سيصحبه بسيارته إلى محافظة مطروح، لكى يستطيع العودة منها إلى مركز سمالوط بمحافظة المنيا، مسقط رأسه، بعد أن نقلته سيارة بيجو من أمام المنفذ إلى موقف ميكروباص السلوم.
ومنذ عام تقريباً ذهب خلف للعمل بمدينة أجدابيا الليبية، ويقسم أمام الجميع أنه لن يعود إلى هناك، ويقول: «أول مرة أتعرض للإهانة كانت هناك، ذهبت للعمل فى تصليح إطارات السيارات، وكان أصحاب الشغل يعاملوننى كأنى عبد وليس عاملا، تركت الزراعة فى المنيا، بحثاً عن الرزق، وعملت فى مدن كثيرة بليبيا»، يدلل خلف على كلامه بموقفين تعرض لهما أثناء عمله الأول فى أجدابيا، قائلا: «فى إحدى المرات كنت أعمل بورشة ميكانيكا، واتفقت مع صاحب المحل على مشاركته مقابل مبلغ معين اتفقنا عليه مسبقاً، لكنى فوجئت بأن المحل عليه ديون كثيرة، هذا غير الماكينات التى كانت تحتاج إلى صيانة، ولما اعترضت على الاتفاق خيرنى صاحب العمل بين أن أستمر فى العمل أو أن أتعرض للحبس، وهددنى بالبلطجية، واضطررت إلى دفع مبلغ له مقابل أن يوافق على تركى، بعد أن توسط لى عنده أحد المصريين هناك».
ويتابع خلف: «المرة الثانية كنت أعمل بمحل ملابس مقابل 600 دينار (نحو 3 آلاف و300 جنيه مصرى)، وفى آخر الشهر، أعطانى صاحب العمل 210 دينارات فقط (نحو ألف و173 جنيها)، وكان يبرر لى ذلك بأنه جراء الخسارة التى تعرض لها، فاضطر إلى تعويضها من العمالة المصرية التى تستحوذ على ثلث حجم العمالة عنده».
ويضيف خلف: «لست وحدى من يتعرض لتلك العمليات من النصب والسرقة، هناك مصريون تسرق أموالهم، والسفارة المصرية لا نعرف طريقها هناك، نحن مجردون من أى شىء، نتعرض للسرقات والضرب أحياناً».
وعلى بعد خطوات من جلسته يتابع الأخبار التى يتداولها التليفزيون عن الهجمات التى قام بها الجيش المصرى لقصف عدد من مواقع داعش فى ليبيا، يهون عليه ذلك ويقول: «الجيش رفع راسنا باللى عمله فى ليبيا»، قبل أن يأتى صديقه ويحمل معه حقائبه ويمضيا بسيارته فى طريقهما إلى العودة لمنزل خلف.