«الفقر و الحرمان هما مدرسة الجندي الجيد»، هكذا قال القائد الفرنسي نابليون بونابرت في أوائل القرن الـ19، ورغم ذلك حيكت مئات القصص بعد ذلك عن الفقر الذي يجعل البعض يخسرون حياتهم من يأسهم في الحصول على حياة أفضل، ولكن النظرية تقف ثابتة في أوقات أخرى عن أشخاص ساعد الفقر والحرمان على تفوقهم ورغبتهم في الخروج من مستنقع الحاجة إلى آفاق الغنى ومن أهم هؤلاء الأشخاص البرتغالي كريستيانو رونالدو.
كان الفقر شديداً على أسرة السيدة دولوريس أفييرو، في مدينة فونكال البرتغالية، وطأطأت الأم رأسها عندما أخبرها الطبيب أن الأبن الرابع قادم لها في الطريق.
لم تتمالك الأم نفسها وأخذت في البكاء بل أنها سعت إلى الإجهاض خلال حملها بسبب الوزر العائلي الكبير، ولجأت الأم إلى وسائل عدة إثر رفض الطبيب تحقيق مرادها.
لم تكن تعلم تلك المسكينة أن هذا الإبن الذي تريد أن تقتله في بطنها هو كريستيانو رونالدو، نفس الشخص الذي سيكون قاطرة الأسرة كلها للخروج من دائرة الفقر إلى عالم الأغنياء ليس في البرتغال فحسب ولكن في العالم،إبنها الرابع الواحيد منذ طفولته ، سيكون هو مصدر رزقها، القادم.
خرج الإبن إلى الحياة وتعهدته أمه بالرعاية، كانت دولوريس الموجهة الصبورة لولدها، وتحملت صعوبات جمة، خصوصاً حين انتقل من مسقطه فونكال في جزيرة ماديرا إلى لشبونة وهو في الـ11 من عمره للالتحاق بناشئي سبورتنج لشبونة، منضماً إلى فريق أكاديمية النادي، حالماً بأضواء الشهرة.
ومن أهم العبارات التي أخذت الأم في ترديدها على مسامع الولد عبارة تقول: «لقد أتيت من فقر مدقع، فلم يكن لي خيار إلا الصعود».
لاحظت الأم هذا الشغف البادي في عين الطفل الصغير بكرة القدم، شغف لتحقيق النجاح لطالما تمنت أن يكون في أشقائه الآخرين ولكن يبدو أن الله أراد لهذا الطفل فقط أن يتملكه هذا الشعور.
شعور بدأ يجسده بإصراره وتفانيه في التدريب والمباريات، ومفاخرته بما يحققه وما يعلنه من طموحات.
مشوار جعله يحصد جائزة «الكرة الذهبية» للمرة الثالثة في مسيرته، كما جعله يلمح إلى تطلعه للفوز برابعة العام المقبل.
منذ وقتذاك لدولوريس «الكلمة الفصل» والحضور الدائم في حياة رونالدو، حتى يقال إنها أسهمت في انفصاله عن العارضة إيرينا شايك بعد «ارتباط» دام خمسة أعوام، وهو يطلق عليها لقب «الأم الشجاعة» كما ورد في كتاب سيرته، ويورد تفاصيل عن قرار إجهاضه، متسائلاً عما كان سيحل بالعائلة لو نجحت دولوريس في تنفيذ خطوتها؟
ولعل وكيل اللاعبين مواطنه جورجي منديش «44 عاماً»، هو الركن الثاني «الثابت» والمؤثر في إمبراطورية كريستيانو رونالدو.
فهو عراب الوالد و الابن و يعامل كفرد من العائلة، كما يوجد أيضاً ويشكل مانويلا براندو مديرة الاتصالات الخاصة باللاعب والمصور الخاص جورجي مونتيرو وابن أخيه لويز كورييا .
يؤكد منديش، أن رونالدو هو «الأعظم» حالياً، وستزخر مسيرته بإنجازات استثنائية، وفرغ كروياً، ساعده الأيمن، ليكون «المقرب» من اللاعب النجم، يرافقه في رحلاته وعطلاته، ويدير «بولاريس سبور» فرع التواصل في الشركة الأم «جيستيفوت»، أي أنه يدير الصورة الخاصة برونالدو. كما يهتم بنجوم الرياضة البرتغالية، وفي مقدمهم لاعب التنس جواو سوزا، وبطل ألواح الأمواج تياغو بيريس.
ويدير هوغو «44 عاماً» الشقيق الأكبر لكريستيانو، الذي وقع يوماً في فخ المخدرات، متحف النجم البرتغالي الذي افتتح في 17 (ديسمبر) 2013 في بلدته فونكال، كما أنه «سفير» ماركة CR7 (التي تعني الحرفين الأولين من اسم كريستيانو رونالدو ورقم قميصه) في جزيرة ماديرا.
قبل أيام أطفأ رونالدو شمعته الـ30، في مرحلة تشهد تحولاً في أدائه من ناحية الدور المنوط به ومهماته الجماعية عبر طريقة اللعب والتمرير المتقن للكرات، مؤدياً مهمة الجناح المراوغ والمسدد المباغت، وبعد عطائه الشخصي غير المحدود الذي غذى سجلاً يضم 52 هدفاً في 118 مباراة دولية، و288 هدفاً في صفوف ريال مدريد منذ عام 2009، يحتل بموجبها المركز الثالث على صعيد هدافي «النادي الملكي» بعد راؤول جونزاليس «323 هدفاً بين 1994 و2010»، وألفريدو دي ستيفانو «307 أهداف بين 1953 و1964».
تاريخ كرة القدم بدأ يخط سطوراً جديدة عن النجم البرتغالي في حقبته العمرية الجديدة، التي تقربه من «المخضرمين»، ويأمل بأن يتجاوز فيها نجوماً وأساطير، أمثال بيليه وأوزيبيو والبرازيلي رونالدو والهولندي يوهان كرويف والفرنسي ميشال بلاتيني.
وترعى مؤسسة رونالدو الخاصة فريق الجزيرة الذي يخوض الدوري البرتغالي للدرجة الثانية، وهوغو عضو في لجنته الإدارية.
وسيفتتح رونالدو على أرض الجزيرة قريباً منتجعاً سياحياً فخماً، وكان دشن في ديسمبر الماضي تمثالاً له في فونكال يبلغ طوله 3.4 متر.
وبعد احتفاله بعيد ميلاده الـ30 الأسبوع الماضي، أكد اللاعب أنه مثابر على النمط ذاته من وتيرة التحضير والاعتناء بصحته ولياقته، ليكون الأفضل دائماً، وإلا «لن أستطيع خوض 60 مباراة خلال الموسم وتقديم المطلوب مني».
وأخيراً تبقى من العائلة الكريمة الشقيقتان كاتيا وإيلما، ولكل منهما مشاريعها المستقلة، إذ تنشط الأولى في مجال الفن والغناء، وشاركت أخيراً في برنامج لتلفزيون الواقع، وتعمل الثانية في عالم الأزياء والموضة، لكن طبعاً بدعم من الشقيق الثري والعطوف، الذي أكد يوماً لهم جميعاً أن الفقر والحاجة لن يقتربا أبداً بعد الآن من أبوابهم وأبواب محبيهم.