مركز «بصيرة»: ترتيب مصر 178 من بين 214 دولة

سعد الدين ابراهيم الجمعة 13-02-2015 20:51

ربما لم يسمع كثيرون فى مصر والوطن العربى عن المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، ولكن هذا المركز الذى أسّسه د. ماجد عثمان منذ أربع سنوات، أى مع ثورات الربيع العربى، يؤدى للمهتمين بنبض الجماهير خدمات جليلة، وبشكل بسيط ومُبدع، ويخلو من التعقيد اللفظى أو المنهجى.

فهو يختار قضية أو أمراً يشغل الناس، ويستفتى حوله عينة مُمثلة لأبناء الوطن المصرى، ثم يُعطينا كل يوم تقريباً رقماً واحداً ذا دلالة تدعو للتأمل والتفكير من المواطن العادى، وتدعو للشحذ والتدبير من صانع القرار. وهو بذلك يُشجع الحوار العام على أساس موضوعى، وليس على أساس ذاتى انطباعى.

وفى آخر إبداعات مركز «بصيرة»، وربما بمناسبة نهاية عام 2014، أتحفنا بإحصائية طريفة، وإن كانت موجعة، حول ترتيب مصر بين دول العالم.. من حيث «الهشاشة»، أى الضعف الهيكلى. فقد جاء ترتيبنا قُرب ذيل القائمة. وتحديداً كان الترتيب هو رقم 178 ضمن 214 دولة شملها المقياس، الذى يأخذ فى الحُسبان عدة معايير، مثل حالة الاقتصاد، وحالة الأمن الداخلى، والأمن على الحدود، ونوعية الحياة، ونظافة البيئة (أى مستوى تلوث الماء والهواء والتُربة والضوضاء)، ومُعدلات الجريمة والعُنف، واحترام الحُريات العامة وحقوق الإنسان.

وزيادة فى الفائدة، نقل مركز «بصيرة» عن مركز عالمى شقيق، هو «صندوق السلام الدولى» (Fund for Peas)، جدولاً للمُقارنة، أفاد بأن الدول الأكثر صحة والأقل هشاشة هى فنلندا، التى تقع فى أقصى شمال أوروبا، بين كل من السويد وروسيا.

والطريف فى إحصائية صندوق السلام العالمى هو أن البُلدان الأكثر صلابة، أى الأقل هشاشة، ليست هى بالضرورة أكبر الدول، أو أكثرها ثراء. فقد خلت قائمة الخمسة الأوائل من الصين، وهى أكبر دول العالم سُكاناً (1.2 مليار)، كما لم تشمل روسيا، التى هى أكبر دول العالم مساحة (17.098.242) كيلومترا مربعا. ولم تشمل قائمة الخمسة الأوائل كذلك، الولايات المتحدة، أقوى دول العالم عسكرياً.. بل كانت الدولة الثانية بعد فنلندا، من حيث جودة الحياة ومتانة البنيان الاجتماعى، هى دولة آسيوية صغيرة، تسمى سنغافورة، تليها بعد ذلك فى المركز الثالث دولة اسكندنافية أوروبية مجاورة لفنلندا، وهى النرويج، ثم تأتى سويسرا فى المركز الرابع، والدنمارك فى المركز الخامس، والسويد فى المركز السادس، وكندا فى المركز السابع. ولا تأتى الولايات المتحدة، طبقاً لهذه المعايير، إلا فى المركز الثامن، خاصة بعد الأحداث التى شهدتها فرنسا، حينما اعتدى بعض المُهاجرين العرب من المغرب العربى على صحيفة «تشارلى إبدو»، والتى راح ضحيتها حوالى عشرين من مُحررى الصحيفة، وكذلك أحد المحال المجاورة للصحيفة، والذى يملكه أيضاً يهودى فرنسى. وكان السبب فى هذا الحادث ما قالته التحقيقات الأولية من أن صحيفة «تشارلى إبدو» رسمت كاريكاتيراً مُسيئاً للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم). فما كان من المواطنين الجزائريين إلا مهاجمة الصحيفة، انتصاراً للرسول وانتقاماً من العاملين فى الصحيفة.

ولكن هذا الحادث دقّ نواقيس إنذار فى العواصم الأوروبية حول علاقتها بالمسلمين، من مواطنيها من ناحية، وبدول الجوار الإسلامية فى جنوب البحر المتوسط من ناحية أخرى، فبادرت مراكز دراسات الرأى العام الأوروبية لرصد وتحليل المواقف والاتجاهات التى تحملها الشعوب لبعضها البعض فى بُلدان الجوار، وعبر البحر المتوسط. ووجدت تلك المراكز الأوروبية فى المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة» خير شريك لها فى تلك المهمة الجسيمة، فأوكلت المفوضية الأوروبية لمركز بصيرة مُهمة تنظيم مؤتمر، شاركت فيه جامعة أبردين (Aberdeen) الاسكتلندية، وعدد من أساتذتها، وكذلك باحثون عرب من سبع بُلدان عربية، هى: العِراق، والأردن، ومصر، وليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب.

وكان من الواضح أن البُلدان العربية السبعة التى شملتها مسوح الرأى العام، هى: أولاً بُلدان عربية تقع على الساحل الجنوبى للبحر الأبيض المتوسط، فى مواجهة أربع دول أوروبية تقع على الساحل الشمالى، وهى إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واليونان.

وقد اختار مركز «بصيرة» عينات مُمثلة من البُلدان العربية السبعة التى شملتها مسوح الرأى العام، تراوحت بين 2000 و3000 مفردة. وهى عينات تكفى لسبر اتجاهات الرأى العام. فأشهر مراكز بحوث الرأى العام فى العالم، وهو معهد جالوب، لا تتجاوز عيناته 3000 مفردة فى الولايات المتحدة، وتعداد سكانها (300 مليون نسمة).

وبمساعدة مراكز وشُركاء محليين فى كل من البُلدان العربية السبعة، تم توجيه نفس الأسئلة لتلك العينات حول رؤيتهم لواقع الأحوال فى بُلدانهم ومدى رضائهم من عدمه حول أمنهم الذاتى وأمن بُلدانهم، وعن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتقييم لما مرت به بُلدانهم من انتفاضات أو ثورات فى الآونة الأخيرة، والرغبة فى نظام الحكم الأمثل من وجهة نظر المبحوثين، واتجاهاتهم نحو التعددية، والمُساواة، والحُريات، والأمن، والموقف من الآخر الأجنبى.

ورغم التفاوت فى الاتجاهات بين الأقطار السبعة، بل فى داخل كل منها، إلا أن هناك من التشابه فى الأنماط والتجانس فى الاتجاهات ما يؤكد فعلاً أن ثمة أمة عربية واحدة، حتى لو تعددت شعوبها وحكوماتها.

فتحية للدكتور ماجد عثمان، ولمركز «بصيرة» على أعمال بحثية متميزة.

وعلى الله قصد السبيل

semibrahim@gmail.com