أمريكا وإيران.. والصحافة المستقلة «1-5»

منار الشوربجي الثلاثاء 10-02-2015 21:36

وسط تعتيم إعلامى كبير، جرت طوال السنوات الأربع الماضية محاكمة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالعلاقات الأمريكية الإيرانية، وتلقى الضوء على الدور الذى يمكن أن يلعبه الصحفى حين يكون مستقلاً.

وانتهت المحاكمة الأسبوع الماضى بإدانة واحد من رجال المخابرات المركزية الأمريكية، جيفرى سترلنج، فى التهم الموجهة إليه. فالاتهام الرئيسى الذى وجه لسترلنج، وأدين بسببه هو أنه كان المصدر الذى سرب لجيمس رايزن، الصحفى البارز فى النيويورك تايمز، معلومات سرية للغاية بشأن عملية فاشلة من عمليات المخابرات المركزية ضد إيران كان سترلنج مسؤولاً عن تنفيذها. وهى المعلومات التى نشرها رايزن فى كتابه الصادر عام 2006.

ويؤكد الكثير من المراقبين، فضلا عن منظمات حقوقية تابعت تفاصيل القضية عن كثب، أنه لا يوجد دليل واحد على أن سترلنج هو مصدر المعلومات التى حصل عليها رايزن بخصوص العملية الاستخباراتية.

فقد ثبت من شهادات مسؤولى المخابرات المركزية أمام المحكمة أن حوالى 90 شخصا بوكالة المخابرات المركزية كانوا على علم بأمر العملية السرية. ثم إن جيفرى سترلنج نفسه الذى كان مكلفا بتنفيذ العملية كان قد اتبع القنوات المؤسسية الرسمية حين شعر بأن العملية المكلف بإدارتها خطر على الأمن القومى الأمريكى. فهو اتصل عام 2003 بلجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، المنوط بها الرقابة على المخابرات المركزية، وأخطر أعضائها بالعملية السرية البائسة، وهو ما يعنى أن عددا آخر من أعضاء الكونجرس بل جهازهم الفنى المساعد كانوا، هم أيضا، على علم بتفاصيل العملية، ومن الممكن أن يكون أحدهم هو الذى سرب المعلومات لرايزن. لكن لجوء سترلنج للقنوات المؤسسية فى حالة الرغبة فى وقف أمر يهدد البلاد لم يشفع له.

فوكالة المخابرات المركزية، مدعومة بوزارة العدل، اتهمته دون غيره بتسريب تلك المعلومات للصحافة وقدمته للمحاكمة، مستغلة فى ذلك أن سترلنج، الأمريكى من أصل أفريقى، كان قد لجأ للقضاء ضد المخابرات المركزية قبل تلك الواقعة بسنوات متهماً إياها بالتمييز العنصرى ضده. فقد استخدم لجوء سترلنج للقضاء ضده. إذ صورته النيابة لهيئة المحلفين باعتباره شخصا يملؤه الغضب من الوكالة، ومن ثم سرب المعلومات بخصوص العملية المخابراتية الفاشلة للثأر منها ولتشويه سمعتها.

وطوال السنوات الأربع التى دارت فيها وقائع محاكمة سترلنج كان الصحفى جيمس رايزن فى قلب الأحداث. فقد مارست الحكومة الأمريكية ضغوطا هائلة عليه للإفصاح عن المصدر الذى سرب له المعلومات بشأن تلك العملية السرية التى أثار نشرها ضجة كبرى. إلا أن رايزن لم يخضع لتلك التهديدات ورفض رفضاً قاطعاً البوح بهوية مصادره، حتى اضطرت وزارة العدل الأمريكية مؤخرا للتخلى عن استدعائه للشهادة فى محاكمة سترلنج. ورغم محدودية الدعم الأدبى الذى حصل عليه جيفرى سترلنج، طوال فترة محاكمته، فقد حظى جيمس رايزن بدعم معتبر، إذ سانده الكثيرون من المؤمنين بحرية الصحافة واستقلاليتها وأيدوه فى رفضه الإفصاح عن مصادره رغم الضغوط الهائلة التى تعرض لها. وقد صدر بيان لدعم رايزن وقع عليه حوالى مائة ألف من الأمريكيين عموما لا من الصحفيين فقط.

والحقيقة أن كتاب رايزن، الذى فجر المشكلة، يستحق القراءة لأن صاحبه غامر من أجل أن تصل للرأى العام المعلومات التى حملها. والعملية السرية التى كشف الكتاب عنها النقاب وغيرت وجه الحياة بالنسبة لسترلنج ورايزن تستحق التأمل، ولكنها، نظرا لمحدودية المساحة، ستكون موضوع المقال القادم بإذن الله.