رفعت الفقي، موظف بأحد شركات القطاع الخاص، من محافظة كفر الشيخ، كان يقلب مؤشر الراديو بسيارته فسمع بأخبار اشتباكات قوات الأمن ومشجعي نادى الزمالك، نادٍ نجله الضحية، مع منافسه إنبى، في مباراة كرة القدم، باستاد الدفاع الجوي.
هذا المشهد تحول إلى النقيض، بدلاً من ذهاب «رفعت» إلى منزله توجه إلى مشرحة زينهم بالقاهرة، يقود سيارته بسرعة جنونية، ربما عدم استجابه ابنه للرد على رنين هاتفه، جلعته يشعر فأنه فارق الحياة.
يقول الأب المكلوم، لـ«المصرى اليوم»: ابنى «عبد الفتاح» كان مولعا بنادى الزمالك، ويشجع مباراياته كافة، بكل أدب، ليس معقولاً يكون نجلى بلطجى أو مندس، ولا يمكن أن يطلق على الأمن شماريخ.
يعتصر الألم «رفعت»، ويؤكد ولدي طالب بالسنة الثالثة بجامعة الأزهر، فى كلية الإعلام قسم صحافة، وعقله رصين، ورأيه السائد أن العنف محرم دينيًا، وحتى أننى كنت أناقشه فى أفعال جماعات «الألتراس» أثناء مبارايات كرة القدم، فرده «يا بابا إحنا بنشجع كرة قدم..ونأمل فى أن نستعيد زمان الكرة الحلو».
فور انتهاء الأب من كلامه، كان يستقبل زملاء ابنه وشهود العيان، الذين راوه له تفاصيل الأحداث، فقالوا: «الموضوع ليس له علاقة بتذاكر دخول المباراة، وكل ما حدث إننا كنا فى ممر طويل منتظرين دورنا فى الدخول على البوابة، والناس ملتصقة ببعضها، وفجأة ولع شخص شمروخ، فأطلقت الشرطة قنابل الغاز بكثافة، وسقط المشجعين على الأرض، ومع جرينا دهسوا، وتجمهرنا حول أتوبيس نادى الزمالك، والوحيد الذى رفض اللعب بعدما جرى «عمر جابر»، والأمن لاحقنا لأكثر من 5 كيلو بالغاز، ما أدى إلى سقوط مزيد من القتلى».
تلك المشاهد مرت أمام عيناى «رفعت»، بينما كان في انتظار استلام جثمان ابنه، منذ الساعة 9 مساءً حتى 4 فجرًا، قال من فوره: «لو كانوا فراخ لما تعرضوا للقتل بدم بارد، ربما ضباط الشرطة وجدوا من لا يحسابهم على ما اقترفوه من ذنب كبير، بقتل النفس الله حرام بغير الحق، فاعثوا فى الأرض فسادًا، قتلوا فلذات أكبادنا منهم لله، ونحتسب الأولاد عندنا ربهم شهداء».
جرس هاتفه المحمول فجأة يرن، تردد في البداية عند الإجابة عليه، حيث كانت زوجته هىّ المتصل، فباغتها: «إنتى مؤمنة، وقوية، (عبده) حجز لنا مكانا فى الجنة»، صراخ الأم جعله يبكى بحرقة، مطالبًا إياها بـ«الصبر والهدوء»، وأخبارها بتشريح جثمان نجلهما، ومناظرة جثمانة أوضحت وفاته نتيجة لاختناق بغاز المسيل للدموع، وجسده ليس به إصابات برصاص خرطوش أو خلافه.
لم ينسى والد الضحية، توجيه رساله إلى الرئيس عبد الفتاح السيسى، التي قال خلالها: «أنت قلت إننا نور عينيك، وصدقنك تقوم تصمت على قلنا كل لحظة، وولادنا، حتى لم تتحرك طول يوم المجزرة، ببيان بإصدار أوامر، حتى شاشات الفضائيات التى تأمرت بأمر أجهزتك، لم تراع حرمة الموتى، وإذاعت صور الأولاد القتلى، ولم تسأل قناة واحدة، رأرينا إيه فيما حدث».
ورأى «رفعت»، الحل إحالة قيادات وزارة الداخلية إلى محاكمة عاجلة لتعمدهم مع سبق الإصرار والترصد لقتل الضحايا «لديهم مائة طريقة لفض التجمعات غير خنقهم بالغاز، وملاحقتهم رغم كثافة أعدادهم، كان يمكن أن يفتحوا الأبواب للولاد لمتابعة مباراة كرم القدم».
واختتم «رفعت» حديثه، قائلا: «سيادة الرئيس كنا بنطلق على (عبدالفتاح) أنه (سيساوي( لتأييده المطلق لك، لكنك وسعت دائرة الخلاف معك، يومًا بعد يوم، والمواقف ستكون أكثر حدة».