فى العين السخنة: حكايات النقاب و«البكينى»

الجمعة 16-07-2010 00:00

المصيف بالنسبة لكثير من المصريين حلم لا يستطيعون إليه سبيلاً، لكن البعض ينجح فى التوفير لقضاء يوم أو أكثر فى المياه، وآخرون يخططون ببساطة للبحر صيفاً وشتاء لأنهم قادرون على تحمل التكاليف. وما بين هؤلاء وأولئك فارق كبير فى الأماكن ونوعية الشواطئ التى يزورونها وحتى شكل ملابس البحر.

فى العين السخنة يمكن رؤية كل الطبقات المصرية - القادرة على تحمل نفقات يوم أو أكثر للتصييف - بخلاف الأجانب. التكاليف بسيطة فى كثير من الأحيان، فرسوم الدخول إلى بعض الشواطئ لا تتعدى بضعة جنيهات وبالتالى فهى رحلة سريعة للكثيرين وغير مكلفة.

وعلى الشاطئ، يمكن التعرف بسهولة على المستويات الاجتماعية المختلفة. نظرة سريعة على أحد الشواطئ تؤكد أن رواده هم أسر وعائلات العاملين فى الشركات والمصانع الموجودة فى العين السخنة، الذين كانوا فى السابق من الطبقة المتوسطة وحالياً يناضلون لكسب لقمة العيش ويتمكنون بصعوبة من قضاء يوم على الشاطئ الذى خصص لهم.

فى واحد من شواطئ المدينة كان أول ما لفت النظر هو عدد المنتقبات والملتحين عليه، تقريباً نصف المتواجدين أو يزيد، والباقون معظمهم محجبات. لا يمكن مشاهدة «مايوه» على الشاطئ، أطفال كثر يلعبون بسعادة بالغة والأمهات على الشاطئ يتابعنهم عن كثب والآباء يلازمون من يريد اللعب داخل المياه.

أحمد، (٤٣ عاماً)، يعمل فى إحدى الشركات، قال إنه يأتى بأسرته إلى الشاطئ مرة أو أكثر كل عام خلال الصيف، فالتكاليف بسيطة ويمكن للأسرة تحملها كما أنه من الصعب أن يكون لمكان عمله شاطئ على البحر ولا يستمتع به أبناؤه. وحول عدد المنتقبات يرى أحمد أن «الالتزام» الذى يتمتع به كثير من العاملين بالشركة هو السبب فأغلبهم «متدينون ملتزمون» وكذلك زوجاتهم. وينقل أحمد عن الزملاء الأكبر سناً فى الشركة أن ملابس النساء والرجال كانت مختلفة منذ «١٠-١٥ سنة» فكانت بعض النساء ينزلن المياه «بالمايوه» وهو ما اختفى الآن تماماً، إلا فيما ندر.

على الشاطئ تنتشر الملاءات والمفارش التى تفرد على الأرض ويبدأ أفراد الأسرة فى تناول الطعام، وآخرون معهم الشطائر التى سيتناولونها طوال اليوم كنوع من التوفير لتكون تكاليف الرحلة أقل ما يمكن.

الأوضاع كانت طبيعية حتى ظهرت مجموعة من الأشخاص يختلفون تماماً عن الباقين، ملامحهم تبدو غربية إلا ثلاثة منهم كلهم يرتدون ملابس للسباحة بدأت التعليقات من الرجال حول الجميلات اللاتى غيرن شكل الشاطئ تماماً، وقلبنه رأساً على عقب، وبعد قليل بدأت توترات الزوجات وتمتماتهن والحوقلة ومصمصة الشفاه والاستغفار، قلت الحركة التى دبت حول المجموعة الغريبة بضغوط نسائية، إحداهن قالت لزوجها «يعنى فيهم إيه أحسن مننا؟ هما بس عشان طالعين من هدومهم؟ ولاّ تحب ألبس زيهم؟» رمقها الزوج بنظرة غاضبة فصمتت تماماً دون أن تزيد حرفاً. امرأة أخرى قررت استخدام أسلوب مختلف مع زوجها، فبدأت فى الاستغفار والحوقلة والاستعاذة من الشيطان والفتنة فما كان منه إلا أن أدار ظهره للمجموعة الجديدة وهو مكره. لم يكن تأثير الزوجات ليدوم طويلا لولا تحذيرات من السائق الذى كان يصاحب المجموعة، حيث أعلن صراحة «دول ناس مهمين ومعظمهم أجانب وجايين بعربية دبلوماسية» وأضاف بلهجة تحذيرية: «ابعد عن الشر».

وقالت «جاسمين» – إحدى المصطافات من «مجموعة الجمال» - حول سبب اختيار المكان وذلك الشاطئ تحديداً، إنها لم تأت هنا من قبل لكن أحد الزملاء المصريين هو من اختار، لم تكن المجموعة سعيدة بالموقف ولا رواد الشاطئ، فكل منهما من عالم مختلف، لكن الجميع قرر الانتهاء من اليوم بسلام وبأكبر قدر ممكن من الاستمتاع بالشمس والمياه والهواء.

وفى النهاية رحل «الأجانب» بقرار عدم تكرار التجربة نهائياً والحرص على اختيار الشاطئ فى المرة المقبلة، أو دفع المزيد من الأموال للشعور براحة أكبر. فوفقا لصابر «٣٦ سنة» الذى كان من بين المجموعة لم يكن الجميع سعداء «دول دنيتين مختلفتين خااالص»، مصريون بسطاء عاديون يرغبون فى البقاء يوماً على الشاطئ والأهم بالنسبة لهم هو مشاهدة أطفالهم يلهون فى المياه والرمل، والفريق الآخر يرغب فى يوم من الاسترخاء وتلوين بشرتهم وهو ما يصعب عمله إذا كان معظم من على الشاطئ من المنتقبات والمحجبات والملتحين، لم تشعر المجموعة بالراحة، ولولا أن زميلتنا المصرية استعدت لكل الاحتمالات وأحضرت «مايوه قطعة واحدة زيادة كان بقى فيه مشكلة، واحدة من السياح معاها مايوه بكينى وأول ما شافت الشط اترعبت وكانت راجعة، وزميلتنا طلعت لها المايوه اللى معاها فلبسته ووافقت تقعد».

الاختلاف كبير بين مثل هذا الشاطئ وشاطئ آخر داخل إحدى القرى السياحية الشهيرة بالمنطقة حيث الزى الرسمى هو «البكينى»، المحجبات والمايوه الشرعى هو المختلف على هذا الشاطئ. قليلات جدا يرتدين الحجاب والمايوه الشرعى، منهن واحدة من شرق أوروبا تزوجت من مصرى وأسلمت وارتدت الحجاب، واكتفت من البحر بمشاهدة ابنيها وزوجها يمرحون أمامها.

 لم تكن لديها حساسية المصريات المحجبات، كانت تبدو مقتنعة ومكتفية تماماً بحالتها، بعكس مصرية كانت تجلس بالقرب منها جاءت مع زوجها وابنها الصغير، وبمجرد وضع المناشف على المقاعد البلاستيكية، نظرت لليسار فوجدت تلك المرأة فبدا عليها الارتياح وبدأت تلتفت يمينا لتجد عين الزوج على الأسرة المجاورة، وكانت مصرية، وتضم زوجة ترتدى «البكينى». هنا كشرت الزوجة عن أنيابها وبدأت فى الزمجرة وظلت حتى نهاية اليوم دون ضحكة، الزوج حاول فى البداية الحديث معها وبدا أنه يؤكد لها أنه لم يكن ينظر إلى تلك المرأة وهى تشيح بوجهها للناحية الأخرى وتتمتم ببضع كلمات غير واضحة وتصمت، فى النهاية اصطحب الزوج ابنه إلى المياه وقرر اعتبارها غير موجودة، حتى نهاية اليوم.

فى القرية الشهيرة يتكلف حجز الغرفة ٨٠٠ جنيه تقريبا، هذا بخلاف النفقات الأخرى أى للبقاء ليلتين وثلاثة أيام يجب توفير ميزانية ٤٠٠٠ جنيه لأسرة من أب وأم وطفل، ليست بالأسعار الباهظة مقارنة بغيرها لكنها ترهق ميزانية كثيرين.

المصريون المتواجدون فى القرية فى الغالب من أثرياء الطبقة المتوسطة أو الأغنياء الذين تراجعت قيمة ثرواتهم، أما الطبقة المتوسطة العادية فهم الأجانب المتواجدون وبالتالى هم الأقرب للمصرى الذى يمكنه بالكاد توفير مثل ذلك المبلغ مرة فى العام، الحوارات بين الناس على الشاطئ تحدد بقوة تركيباتهم، فالفرق كبير بين مجموعة متعددة الجنسيات منهم هنود ومصريون وروس كل منهم يتحدث بلغته الأم ويتشاركون الإنجليزية حين يتحدثون سوياً، وبين مصرية معها ابنتها والخادمة الأفريقية وصديقتها ولا يتحدثون كلمة بالعربية بل ينتقلون ما بين الإنجليزية والفرنسية.

كما أن الاختلاف كبير بين من ينتمون للغاتهم ومن يرفضونها لصالح لغة أخرى، كان الفارق كبيراً بين طريقة التعامل مع الأبناء. أسرة إسبانية من أب وأم وثلاثة أولاد أعمارهم بين الثانية عشرة والرابعة، تجلس فى هدوء شديد الأم تمسك بكتابها والأب يقرأ كتابا آخر والأبناء الثلاثة يلعبون بهدوء شديد بالقرب منهم، لا صوت مرتفعاً، ولا «عفرتة» ولا نهر وصراخ من الأب والأم، كل يستمتع بطريقته بهدوء شديد.

وعلى الجانب المقابل، تجلس المصرية ومعها «خادمة» أفريقية، الأوامر والطلبات لا تنتهى، والأشياء التى يريدون إحضارها من الغرفة أو إعادتها إليها لا حصر لها، بمجرد الانتهاء من تنفيذ طلب يأتى الطلب الثانى سواء من الطفلة التى لم تتجاوز الرابعة أو من الأم. الابنة المدللة لا تنتهى من الطلبات بداية بلعبها التى لم تحضرها من الغرفة ثم الكرة ثم العوامة ثم الأرجوحة التى تريدها لنفسها، رغم أنها تخص القرية ومن المفترض أن يستفيد بها كل رواد الشاطئ، فما كان من الأم إلا أن أعطت أمراً بأن تحضر «الخادمة» الأرجوحة للفتاة، وكان لها ما طلبت.

 الفارق كبير من شاطئ لآخر فى المكان نفسه، وعلى نفس الشاطئ الاختلافات أكبر، على كل المستويات بدءا بالشكل الذى يكون أول ما تلحظه العين مروراً بالسلوكيات، ففى الشواطئ الرخيصة، البقايا والأكياس الفارغة والزجاجات ملقاة على الأرض فى كل مكان وبعضها فى مياه البحر، والأطفال لا يكفون عن الصخب والأهالى لا يكفون عن الصراخ والجدال، مرة بسبب الأبناء وأخرى بسبب نظر الرجال إلى نساء أخريات- حتى وإن كن محجبات.

أما فى الشواطئ الخاصة والأكثر تكلفة فالفارق الأكبر فى شكل التعامل، لا شىء يلقى على الأرض إلا نادراً، الهدوء هو الأساس، قد يصرخ طفل هنا أو هناك أو يرتفع صوت أم أو أب للحظة لكن لا يستمر طويلاً، حتى الجدل لا يكون مسموعاً، غيرة النساء على أزواجهن تنتهى بالهمس، وإشارات غاضبة على الوجه ونظرات عتاب، لكنها لا تتحول أبداً إلى شجار علنى.