تمن التذكرة.. عمرك

زياد العليمي الإثنين 09-02-2015 11:15

(1)
في أول فبراير منذ عامين، سافر مئات الشباب إلى بورسعيد لتشجيع فريقهم لكرة القدم، فارتكبت بحقهم مجزرة راح ضحيتها 72 شابا، لم يرتكبوا ذنبًا سوى أنهم أحبوا رياضة كرة القدم وسافروا وراء فريقهم! ولم يحاسب المسؤول، وتم التستر على المجرم الحقيقي، فأيقن أن دماء أبنائنا لا ثمن لها! وكانت النتيجة قتل 22 مشجعًا لفريق آخر، بعد عامين من نفس المجزرة الأولى!!
(2)
سوف تقتل بسبب قناعاتك، وسيجدون من يبرر! ستقتل لأنك متظاهر، وسيجدون من يبرر! ستقتل لأنك تحمل وردة، وسيجدون من يبرر! ستقتل لأن ردك على الباشا لم يعجبه، وسيجدون من يبرر! ستقتل لأن شكلك لم يرق للباشا، وسيجدون من يبرر! ستقتل لأنك شجعت كرة القدم، وسيجدون من يبرر! وعندما يقتل من يبرر، سيجدون من يبرر أيضًا! لكننا سندافع عنه، فليس بيننا خسيس يبرر القتل!
(3)
انطلقت الأبواق الإعلامية تبرر للمذبحة الجديدة، «هؤلاء القتلى ليسوا سوى مجموعة من المراهقين البلطجية»، «كانوا يحاولون دخول المباراة دون تذاكر»، «قطعًا تلك الجرائم يجب أن يعاقب عليها هؤلاء المخربون بالقتل»! لكن هل تعلم سيدي البوق أن نفس هؤلاء المخربين والبلطجية، كانوا سيلتحقون بصفوف القوات المسلحة بعد سنوات معدودة لأداء فترة تجنيدهم؟ حينها كنت ستقول على نفس هؤلاء المخربين «خير أجناد الأرض»!
(4)
هل تأثرت سيدي الحساس لحرق الطيار الأردني «معاذ الكساسبة» حيًا؟ أنا أيضًا لم أنم يومها، لكنني لست مثلك، فأنا لم أنس أن 37 مواطنًا من بلادي تم قتلهم في سيارة ترحيلات، بعد أن قام أحد الضباط بإلقاء قنبلة مسيلة للدموع داخل السيارة المغلقة، هل هللت لبراءة قاتلهم؟ هل دافعت اليوم عن القتلة لأن المخربين كانوا ينتوون حضور المباراة دون تذاكر؟ قف أمام المرآة وواجه نفسك، أنت تدعي الإنسانية، لكنك في الحقيقة شريكا في القتل بالتبرير!
(5)
في 2012، يرى الجميع اللحام على بوابة استاد بورسعيد، الذي كانت تحرسه قوات الشرطة، لكنهم ظلوا يرددون: شباب الألتراس إخوان! والإخوان هم من قتلوا شباب الألتراس في بورسعيد، إذًا فالإخوان قتلوا الإخوان في بورسعيد، وفي النهاية يفلت القاتل الحقيقي!
ف ى2014، يعرف معتز محمد الصحفي أن صديقه السيد عبدالله محمد أصيب أثناء تظاهرة على سلم نقابة الصحفيين لإحياء ذكرى ثورة يناير. يتوجه معتز لنقابته ليجد صديقه شهيدًا! ورغم أن الجميع رأى القاتل بين رجال الشرطة، قبض على الصحفي واتهم بقتل صديقه، ثم تظهر براءته بعد أن يفلت القاتل الحقيقي!
وفي الشهر الماضي، قتلت شيماء وهي تحمل الورد، ويتم اتهام نائب رئيس حزبها بقتلها وسط ذهول العاقلين! فالجميع يعرف الرجل، وكلهم رأوا القاتل بين رجال الشرطة! وبعد القبض على الدكتور زهدي الشامي، والتحقيق معه والتحري عن الواقعة تظهر براءته من جريمة القتل، وينسى الجميع المتهم الحقيقي، فيفلت من العقاب!
واليوم، يقتل 22 مشجعًا ويرى الجميع القتلة بين رجال الشرطة في فيديوهات مسجلة، ويأمر النائب العام بضبط وإحضار قادة «وايت نايتس»! ونعرف باقي القصة التي تكررت مرارًا، ستثبت التحقيقات براءتهم بعد أن يفلت القاتل الحقيقي!
(6)
ويتم اتهام عمر جابر، لاعب الزمالك، بأنه إخواني! لمجرد أنه رفض اللعب على أرض لم تجف الدماء عليها بعد، كما يتهم أبوتريكة بأنه إخواني، لأنه لم يقبل أن يصمت ولا يجاهر بالإشارة إلى القاتل الذي يعرفه الجميع! غباء المبررين يصب في خانة الإخوان! فنحن لم نر من الإخوان، خلال فترة حكمهم، ما يشير إلى أنهم بهذا النبل! فتدفع هذه الاتهامات بالبعض إلى القول: إذا كان الإخوان بهذا النبل، فقد ظلمناهم!
(7)
«حضرتك تقدر تدخل سينما من غير تذكرة؟ طب تقدر تركب أتوبيس من غير تذكرة؟ طب تقدر تدخل ماتش في بطولة أفريقيا أو بطولة عالمية من غير تذكرة؟ عايز تبلطج وتدخل ماتشات الدوري من غير تذاكر؟ لا يا حبيبي كان فيه وخلص، الكورة للجماهير المحترمة»!! كان هذا هو التعليق المنشور بإحدي صفحات الشرطة المصرية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك.
أتمنى أن يفيق المسؤولون عن بث هذه الدعاوى لهدم دولة القانون، قبل أن نستيقظ على رسالة «الحياة لرجال الشرطة المحترمين»، يومها لن يجد من كتب هذه الكلمات من ينقذه ويعطي له ما يستر به عورته ـ مثلما حدث في 28 ينايرـ فمن ستروه يومها، صاروا في السجون الآن! أتمنى ألا يحدث ذلك، فالدول لا تسقط بالتظاهر، لكنها تسقط عندما يعتمد صاحب السلطة مبدأ الكلمة للقوة، لا للعدل أو لدولة القانون.
(8)
بالأمس، اقترب المراهق ممن يفترض به أن يحرسه حتى يعود سالمًا لأهله، سائلًا: هو تمن التذكرة كام يا باشا؟
فرد الباشا: تمنها عمرك.