التعاون العسكرى.. القطن مقابل السلاح

كتب: عمر عبدالعزيز الأحد 08-02-2015 23:29

القطن مقابل السلاح، كان هذا ما دار فى 23 يناير 1952 قبل أشهر من «ثورة يوليو»، عندما التقى وزير الخارجية المصرى الدكتور محمد صلاح الدين، مع نظيره السوفيتى (فيشنسكس)، حيث سلمه طلبا من مصر برغبتها فى شراء كميات كبيرة من الأسلحة المتقدمة والدبابات من الاتحاد السوفيتى، على أن يكون المقابل المالى للصفقة من القطن المصرى، إلا أن حريق القاهرة فى 25 يناير من نفس العام، والذى أطاح بحكومة الوفد، أدى إلى تعطل صفقة الأسلحة، بحسب التقرير المنشور عن آخر صفقات السلاح الروسى فى «المصرى اليوم» العام الماضى، على هامش زيارة وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، لمصر.

عقب مؤتمر «باندونج» فى إبريل 1955، الذى شهد أول لقاء دولى بين الرئيس جمال عبدالناصر وقيادات 29 دولة أجنبية، اتجهت مصر لشراء السلاح من الكتلة الشرقية، وجاءت صفقة الأسلحة عام 1955 لتشكل بداية التعاون بين البلدين.

تسلمت مصر حينها أول صفقة من الأسلحة السوفيتية فيما عرف باسم «صفقة الأسلحة التشيكية»، وكانت تشيكوسلوفاكيا عضوا فى حلف وارسو، بزعامة الاتحاد السوفيتى. واستمر نقل الأسلحة من التشيك إلى مصر منذ عام 1955 حتى عام 1956. فى هذه الفترة، كان الجيش المصرى، بحسب آراء الخبراء العسكريين، يجرى عملية إحلال بالاستغناء عن السلاح الغربى، القادم من بريطانيا، ليأخذ محله السلاح الشرقى. وكانت صفقة الأسلحة مكونة من معدات حربية هى: 150 طائرة و300 دبابة متوسطة وثقيلة وأكثر من 100 مدفع ذاتى الحركة و200 عربة مصفحة حاملة جنود، ومدرعتان و4 كاسحات ألغام و20 زورق طوربيد و500 قطعة مدفعية ومدافع بازوكا وألغام وأسلحة صغيرة ورادار ومعدات لاسلكية. وبلغت قيمة هذه الصفقة 80 مليون جنيه إسترلينى، وكان الدفع يتم بالقطن المصرى. ورغم أن الأسلحة سُلِّمت عن طريق تشيكوسلوفاكيا إلا أنها كانت روسية الصنع.

وقبل أن يستوعب الجيش المصرى الأسلحة الشرقية الجديدة، بحسب ما يقوله الخبراء العسكريون، اندلعت حرب «العدوان الثلاثى» عام 1956. وتعقدت العلاقات مع الغرب ليصبح الاتحاد السوفيتى مصدرًا أساسيا للسلاح رغم تطور الأسلحة الغربية. وبعد ذلك كان هناك مشروع عام 1958 لتصنيع الطائرة «القاهرة 300»، لكنه لم يكتمل بسبب عدم تقديم السوفيت للتقنية الصناعية الرئيسة لمصر عام 1958. وبدأ تدفق الأسلحة السوفيتية الجديدة بعد ذلك إلى مصر، حتى بلغ ذروته فى 1969 حيث استقبلت مصر من «الاتحاد» 300 طائرة مقاتلة، حلت محل 365 فقدت فى الحرب، و50 طائرة قاذفة بدلا من 69 فقدت، و420 دبابة بدلا من 550 فقدت فى الحرب. كما أمد الاتحاد السوفيتى مصر بأسلحة جديدة كان ينتظر أن تجعلها أقوى تسليحا من إسرائيل، وهى صواريخ مضادة للسفن وأرض- أرض مداها 50 ميلا. ووصلت قيمة ما تسلمته مصر من الأسلحة من الاتحاد السوفيتى منذ العدوان الثلاثى وحتى نهاية الستينيات إلى 3.5 مليار دولار، بحسب تقرير «المصرى اليوم» المنشور العام الماضى.

وفى عام 1976 تخلت مصر عن «معاهدة الصداقة والتعاون» مع موسكو التى سبق توقيعها عام 1971، وتوقفت مصر عن شراء الأسلحة السوفيتية بشكل تام مع قرب توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، فى سنة 1978. واتجهت مصر منذ ذلك الوقت إلى شراء الأسلحة الأمريكية.

بعد قطيعة استمرت نحو 20 عاما، بين البلدين، قام وفد روسى، برئاسة نائب وزير الدفاع حينذاك، أندريه كوكوشين، بزيارة مصر ليفتح ملف التعاون العسكرى مجددا، بداية من عام 1995، ولتبدأ بعدها بنحو عامين عملية استيراد الدبابة الروسية «تى 8034»، إضافة لمروحيات ومعدات أخرى.

وترسخت العلاقات العسكرية بين البلدين بزيارة وزير الدفاع الروسى، إيغور سيرغييف، لمصر عام 1998، حيث اتفق البلدان على تطوير الروس للاتصالات المصرية فى المجالات العسكرية. ومنذ تلك الزيارة تزايدت معدلات استيراد مصر من روسيا الاتحادية طوال عشر سنوات تلت الزيارة. وبحلول عام 2008، كانت مصر قد تسلمت من موسكو مروحيات وأنظمة للرادار وأخرى للصواريخ المضادة للطائرات، وكذا تحديث أنظمة خاصة بالدفاع الجوى.

وفى عام 2009، وخلال زيارة الرئيس الروسى السابق ديمترى ميدفيديف للقاهرة، تم توقيع البلدين لمعاهدة شراكة استراتيجية للتعاون العسكرى والتقنى، وهو ما أكدت عليه زيارة قام بها بعد ذلك بعام وزير الإنتاج الحربى السابق سيد مشعل، بحسب تقرير صحفى تم نشره فى جريدة الشرق الأوسط السعودية.

وتوقفت بعد ذلك الزيارات بين مسؤولى البلدين، إلى أن زار الرئيس السابق محمد مرسى نظيره الروسى فلاديمير بوتين فى إحدى المدن الصغيرة خارج موسكو. لكن الاهتمام الروسى بمصر ظهر خلال الزيارة التى قام بها وزير الخارجية نبيل فهمى فى سبتمبر قبل الماضى إلى روسيا، وجرت خلالها مناقشة موضوع التعاون العسكرى والاقتصادى والتقنى وغيرها من الملفات السياسية والأمنية التى تخص المنطقة.

خلال تلك الزيارة أعلنت مواقع روسية رسمية عن اتفاق مبدئى على صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار، وهو ما أعلنته وكالة إنترفاكس الروسية للأنباء، فى سبتمبر الماضى، واكده موقع «روسيا اليوم» الإخبارى على الإنترنت، نقلا عن ألكسندر فومين، مدير الهيئة الفيدرالية الروسية للتعاون التقنى العسكرى. ونقلت الوكالة تصريحه: «روسيا ومصر وقعتا بالأحرف الأولى صفقة أسلحة بقيمة 3.5 مليار دولار». وبحسب الموقع، فإن الصفقة تتضمن «مجموعة من الأنظمة الصاروخية الخاصة بالدفاع الجوى إضافة إلى مختلف أصناف المدفعية».

وصرح الرئيس الروسى فى أغسطس الماضى بأنه اتفق مع نظيره المصرى عبدالفتاح السيسى على توسيع التعاون فى مجال تصدير الأسلحة إلى مصر، إلى جانب دراسة إنشاء مركز لوجيستى مصرى على سواحل البحر الأسود. جاء ذلك فى مؤتمر صحفى بين الرئيسين خلال زيارة السيسى لمنتجع سوتشى، جنوب غرب روسيا.

وقدر مسؤولون عسكريون روس، فى حينه، صفقة الأسلحة بنحو 4 مليارات دولار، وأنها تشمل طائرات مقاتلة من طراز «ميج 29»، وأنظمة للدفاع الجوى وصواريخ مضادة للدبابات. وذكرت وسائل إعلام روسية وأمريكية آنذاك أنه فى حال إتمام صفقة تصدير الأسلحة الروسية إلى مصر فإنها ستكون الأضخم منذ إنهاء «السادات» التعاون العسكرى بين البلدين.