بات تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» المعروف بـ«داعش» يسيطر على مناطق واسعة عديدة فى سوريا والعراق، فى ضوء تهافت القوى العسكرية المحيطة به، وعدم وجود إرادة دولية جادة لاستهدافه وتحجيم تقدمه.
ويشير الفيلم الشائن، الذى بثه هذا التنظيم لإعدام الطيار الأردنى الكساسبة حرقاً، إلى أن الإعلام يحظى باهتمام خاص من «داعش»، ويستأثر بأهمية استراتيجية فائقة.
واستناداً إلى ذلك، فمن الضرورى تقصى علاقة «داعش» بالإعلام، وبصيغة أخرى محاولة التعرف على الحالة التى سيكون عليها الإعلام والإعلاميون تحت سلطة «داعش» وفى كنف «الداعشية» إذا تمددت أكثر من ذلك.
فى تلك السطور، سأحاول أن ألخص ما يمكن أن يكون واقعاً إعلامياً فى ظل «داعش» استناداً إلى ما توافر من معلومات عن سلوك هذا التنظيم الراهن إزاء الإعلام.
أولاً: تفيد التقارير الواردة من المناطق التى يسيطر عليها تنظيم «داعش» بأن التنظيم يعامل الإعلاميين بوصفهم «أعداء» أو «خونة محتملين متعاملين مع الأعداء».
ينطلق التنظيم فى تصوره هذا من حقيقة أن معظم المعالجات الإخبارية لسلوكه فى الإعلام الإقليمى والعالمى سلبية، حتى إن رجال التنظيم يعاقبون الصحفيين الذين تستخدم مؤسساتهم الإعلامية اسم «داعش» نفسه فى وصف «تنظيم الدولة» أو «الدولة» لاحقاً، وفى بعض الأحيان تكون العقوبة القتل.
ثانياً: سيسمح تنظيم «داعش» طوال الوقت للصحفيين بمراسلة بعض وسائل الإعلام، خصوصاً وكالات الأنباء العالمية، التى يهمه جداً أن تنقل إلى العالم تقدمه وانتصاراته.
لكنه لن يترك الحبل على الغارب للمراسلين، فقد سجل أسماءهم، وأخضعهم لإجراءات فحص وتفتيش، وتأكد من قدرته على التأثير فى عملهم بالشكل الذى يخدم وجهة نظره.
ورغم كل ذلك، فإن أى خبر أو تقرير أو صورة أو فيديو يريد صحفى أن يرسله من مناطق «داعش» إلى وسيلته يجب أن يخضع للمراجعة، وإذا تمت إجازته يرسل، والعكس صحيح. إنها «رقابة مركزية سابقة» من تلك التى تجاوزتها صناعة الإعلام فى أسوأ الديكتاتوريات قبل أكثر من أربعة عقود.
ثالثاً: يضمن «داعش» السيطرة على كل معدات صناعة الإعلام فى الأراضى التى يسيطر عليها، عبر التحكم فى تداولها، ومن يستخدمها، أو يقوم بمصادرتها وتدميرها إذا خرج مستخدموها عن القواعد التى يلزمهم بها.
رابعاً: يؤكد التنظيم للإعلاميين أن استمرارهم فى العمل الإعلامى مرهون بمبايعتهم «خليفة المسلمين»، وعدم إطلاق اسم «داعش» على التنظيم واستبدال اسم «الدولة الإسلامية» به، بما يعنى أن «مبايعتك» لـ«الخليفة» شرط لاستمرارك فى العمل الإعلامى تحت حكم «داعش».
خامساً: يرى «داعش» فى الإعلام الجديد وسيلة من وسائل «الجهاد»، وجزءاً رئيساً من استراتيجيته. يتضح هذا من عدد المواقع والمنتديات التابعة والمناصرة له، وهى مواقع جذابة، وتخضع للتحديث المستمر، ولديها متابعون بمئات الآلاف.
ويمتلك التنظيم عدداً من وسائل الإعلام المطبوعة التى يوفر لها موارد ضخمة، ويقوم عليها صحفيون وفنيون من أصحاب أرفع الخبرات، كما يدير عدداً وفيراً من الصفحات والحسابات والمواقع الإلكترونية، التى يتم تشغيلها بأفضل صورة ممكنة، ويستخدمها فى عمليات التجنيد، والتلقين، والاتصال، والتدريب.
سادساً: يعتبر «داعش» أن الإعلام أداة قتال رئيسة فى معركته مع أعدائه، لذلك فهو يصور عملياته كلها بأفضل طرق التصوير، ويستخدم أكثر الوسائل تطوراً، ويحول جرائمه المخزية إلى صور وأفلام ونصوص تتكامل فيما بينها لتصبح حرباً نفسية شرسة ومؤثرة ضد خصومه وأعدائه.
إن هذا التنظيم استطاع أن يطوع الإعلام لصالحه بصورة مبهرة حتى تلك اللحظة، وهو أمر عزز من قوته الشاملة، وضاعف من أثره، وألقى الرعب والإحباط فى نفوس كثيرين، ما يستلزم جهوداً وقرارات وسياسات ناجعة لمواجهته والحد من نفوذه الآخذ فى التصاعد.
كيف يمكن أن نواجه «إعلام داعش»؟ هذا موضوع مقال مقبل بإذن الله.