ستوب.. فين الإحساس؟

جمال الجمل الأربعاء 04-02-2015 23:21

1- من المفترض أن أواصل الكتابة عن مفارقة «الواقع والحكاية» مستخدمًا حياة الشاعر الروسي يوسف برودسكي، لكن الواقع لم يفسح للحياة مكانًا، الأحداث تتلاحق بتهور وحماقة وسخافة أيضًا، وهذا التلاحق العبثي أصابني بحالة من البلاهة والجمود، فتوقفت عن كل شيء حتى التفكير، ولما استمرت هذه الحالة عدة أيام خشيت أن تتحول من «حالة مؤقتة» إلى «حالة دائمة»، فأصبح «عبيط رسمي»، وبدأت أسأل نفسي: هل يصح أن أترك ما حولي من مساخر ومصائب، وأتفلسف مستمتعًا ومسترجعًا حكايات الشعر والشعراء حتى لو كانت مشحونة بالحكمة والموعظة؟ أم يجب أن أنخرط وأتفاعل في قضايا الوطن وهموم السياسة والاقتصاد؟ أم أوازن بينهما؟

وأعترف لكم، بكل خيبة، بأنني لم أجد إجابة، بل إنني فقدت الرغبة في كتابة أي شيء، وبعد يومين من البلادة استسلمت لسخافة «الواقع»، وقررت أن أؤجل متعة «الحكاية» حتى يعتدل المزاج من جديد، لذا أنصحكم بارتداء أقنعة الوقاية من سخافات الواقع قبل قراءة هذا المقال.

2- قلت في الفقرة السابقة إن الواقع يفرض نفسه على كل شيء، لكنني بمنتهى الرخامة والبجاحة أعلن أن هذا الواقع «واقع فعلاً»، فهو مجرد تمثيل رديء، يشارك فيه الجميع دون أن يتطوع أحد بمهمة الإخراج، لا أحد يكلف نفسه ليقول «ستوب أيها الأغبياء.. عاوز تمثيل حقيقي.. عاوز صدق.. عاوز إحساس».

3- أحب الفنان أحمد حلمي، وأعتبره مدرسة خاصة في الكوميديا، لم يسقط في فخ المبالغات والإضحاك بالعاهات، وأحترم مشروعه السينمائي الذي يناقش أحوال الشاب العادي المطحون في أزمات المدينة وتعقيدات الحياة المعاصرة، وهو مشروع يذكرني بسينما وودي آلان التي اهتم فيها بتقديم مشاكل المواطن النيويوركي. نجح حلمي في التعبير بصدق عن الشخصيات التي قدمها في «عمر 2000»، «ظرف طارق»، «كده رضا»، «آسف على الإزعاج»، «جعلتني مجرمًا»، «عسل أسود»، وغيرها، لكن طريقة أحمد في إدانة الإرهاب لم تكن على نفس المستوى، لا المكان ولا الأداء، ولا أسلوب الميلودراما جعلني أصدق حلمي هذه المرة.

طبعًا أنا أصدق حلمي وفرحان بوطنيته وحبه لمصر، لكنني أتحدث عن الأداء، وتمنيت لو كنت مخرجًا يستطيع أن يرفع صوته ويقول له: ستوب.. عاوز ديكور جديد، عاوز إحساس، ادّيني صدق أكتر.

4- لا أعترض على فكرة حشد المجتمع ضد الإرهاب، ولا أعترض على اهتمام الدولة بذلك، طبعًا كنت أتمنى أن يكمل الرئيس برنامجه في مؤتمر القمة الأفريقية في إثيوبيا، وشعرت بالضيق عندما قطع مشاركته وعاد إلى القاهرة، لأن الرئيس لم يكن في إجازة يضحي بها لمتابعة حادث سيناء الإرهابي، لكنه كان في مهمة عمل ضرورية من أجل مصر، وهناك تحضير طويل لاستثمار هذه المناسبة القارية في طرح الكثير من الملفات الحيوية في ضبط وتمتين علاقاتنا الأفريقية، لكن الرئيس كثف برنامجه وعاد، ليشارك في أداء ارتجالي أقرب إلى المواساة وترديد كلمات العزاء وشد الهمة، التي تحولت في مسرح الجلاء إلى وصلة مداعبات.. وشكر الله سعيكم.

الأمر هذه المرة لا يحتاج مخرجًا، لأنني سأتقدم كمواطن مصري، وأقول للجميع رئاسة وأحزابًا وإعلاميين وشخصيات عامة: ستوب.. عاوزين جدية أكتر.

5- تابعت جلسة الحكم على دومة ومن معه، كان الكل يلبس مزيكا، لم أصدق شيئًا مما يحدث، القاضي يستحق السجن أو العزل على الأقل بتهمة إهانة «ميدان التحرير»، وهو بصرف النظر عن كونه مركزًا للثورة التي تمنح الشرعية للحكم القائم، مجرد مكان في مصر لا ذنب له أن يحشره القاضي ناجي شحاتة في صياغة مهينة يقول فيها للمتهم: «احترم نفسك.. احنا مش في ميدان التحرير».

كان دومة قد صفق بيده وهو يبتسم عند سماع الحكم، ما أغضب القاضي، فهدد المحكوم عليه بالمؤبد بتوقيع ثلاث سنوات سجن إضافية عليه بتهمة إهانة المحكمة، وهو عقاب يستحقه القاضي بنفس التهمة لإهانته تراب مصر، فميدان التحرير ليس ماخورًا أو «غرزة» ليستخدمه القاضي كمكان نقيض للاحترام، وهذا لا يمنع أن أداء دومة كان هزليًّا في موقف يحتمل المأساة، واستعراضيًّا في فيلم واقعي، وهو أداء زائف، يوحي للمشاهد بأن الفيلم هابط، وأنه ليس متهمًا، وليست هناك قضية، وكان لابد أن أي عاقل في هذا البلد ليقول: ستوب.. كفانا مسخرة، السيناريو مفكك والممثلون هابطون، والأداء فالصو، اطفوا الأنوار.. فركش.

tamahi@hotmail.com