عزيزى نيوتن..
تعليقاً على عمودكم الخاص بالقطن فإننى- بادئ ذى بدء- أحيى إقدامك المحمود فى الكتابة عن القطن المصرى، رغم أن المعلومات التى وردت إليكم قد ينقصها التدقيق. وأود هنا أن أشير إلى المسائل العامة فى الزراعة التى لا يختص بها القطن وحده، وأولاها الدورات الثلاثية، والتى أشرت إليها فى العمود على أنها من قبيل الوصاية على حرية الفلاح والحدّ من حريته وفكره. وهنا أود أن أشير إلى أن عهد الدورة الثلاثية قد انتهى منذ زمن طويل، رغم أنها كانت مصدرا لانتظام الزراعة فى مصر. فمثلاً فى زراعة القطن التى هبطت مساحتها من 2 مليون فدان قبل ثورة 1952 إلى 300 ألف فدان، يزرع القطن منها حاليا ما يشاء بلا إلزام على الفلاح، فيما يزرع، بينما تتدخل شكليا فى مساحة الأرز للحد من استهلاك المياه المتاحة لمصر على حساب المحاصيل الأخرى. فإذا ما انتقلنا إلى الأثر السيئ فى غياب الدورة الثلاثية، التى انقضى عمرها، على زراعة القطن فى السنوات الأخيرة، فأبسط ما فى الأمور هو حرمان الفلاح من فوائد إدخال الميكنة فى جمع القطن. وعلى من شاء أن يستقصى الأمر، فقد يجد أن أجور الأنفار اللازمين لجمع القنطار أصبحت تربو على أسعار بيعه. ومن المستحيل أن نعالج الأمر فى ظل المساحات الضئيلة والمبعثرة فى ربوع مصر. حيث إن إدخال الميكنة فى جمع القطن يستلزم حداً أدنى من المساحات المجمعة.
وقد يقال إن القطن المصرى- وهو أعلى أقطان العالم على الإطلاق- يستلزم الجمع اليدوى، حتى نحافظ على مستوياته. وقد يكون ذلك صحيحاً، إلا أنكم فيما أوردتموه، فإن صناعة الغزل فى مصر تستلزم الأقطان القصيرة، وهذا صحيح أيضا إلى حد كبير.
إن ضياع تجارة القطن المصرى الأطول تيلة، هو من الكوارث التى نجمت عن الأفكار المسبقة والتصورات الخاطئة لدى الزعامة فى ثورة يوليو 1952. فقد كان مفهومهم تحويل مصر من بلد زراعى إلى صناعى، فأسرعوا بالتوسع غير المدروس فى إنشاء شركات الغزل والنسيج، على حساب تجارة القطن المصرى، دون أى دراسة أو إعداد أو استطلاع للأسواق الخارجية، ودون إعداد للإدارة المتخصصة فى هذه الصناعة، بعد أن دخلت فى الحقبة الخمسينية وما بعدها عالم التكنولوجيا الرفيعة. كما عمدت الثورة إلى تأميم تجارة القطن، كما عمدت إلى تأميم مصانع الغزل. فنزح عن مصر كبار رجال التجارة والصناعة، الذين ترجع خبراتهم إلى عشرات السنين، والذين لهم أقوى الصلات بالبيوت التجارية، ولعلنا ندرك الآن مأساة ضياع تجارة القطن فى مصر وتخريب مصانع الغزل المحلية. دع عنك ما يرددونه من أسباب فى هذه الخسائر الفادحة، فأنتم أول من يدركون ماذا يكون عليه الأمر إذا ما ترك الأمر لغير أهله.
شامل أباظة
تعليق:
تحرير زراعة القطن من التزام الدولة بتسويقه وشرائه هو خطوة شجاعة جديرة بالاحترام.