جوارديولا.. هزمه الملعب وأنصفه الخط

كتب: محمد فتحى عبد الله الأحد 01-02-2015 16:30

«لم أفقد مهاراتي، ما زلت قادرًا على اللعب، كرة القدم تغيرت ولم أواكب هذا التطور.. أمثالي لم يعد لهم مكان في هذه الأيام».. كلمات قالها بيب جوارديولا في مؤتمر صحفي في 11 أبريل 2001 معلنًا رحيله عن برشلونة.

يملك جوارديولا، المدير الفني الحالي لبايرن ميونيخ الألماني بصمة تدريبية مميزة، جعلته من أبرز مدربي العالم خلال السنوات الأخيرة، لكنه وقبل أن يطرق أبواب المجد في عالم التدريب كان ضحية لتطور طرق اللعب، حيث فقد لاعب برشلونة السابق بريقه الكروي سريعًا، وزهد الجميع في خدماته قبل أن يُكمل عامه الـ30.

تبدأ القصة عام 1988، يوهان كرويف يحضر بشكل مفاجئ مباراة للفريق الاحتياطي لبرشلونة، لم يمر على تعيينه في منصب المدير الفني للفريق الأول إلا أيام قليلة، يتابع بدقة، يُثبّت عينيه على أحد اللاعبين، ينتظر حتى ينتهي الشوط الأول.

بين الشوطين، ذهب كرويف مسرعًا إلى المدرب كارليس ريكساك، سأله عن اللاعب الذي يشغل الجانب الأيمن في منتصف الملعب.. «اسمه جوارديولا».. طالب كرويف بتغيير مركز اللاعب في الشوط الثاني «ادفعه إلى المحور، أريد أن أراه في المنتصف».

عام 1990، بعد عامين من هذه الواقعة، خاض جوارديولا أول مباراة رسمية له مع برشلونة، بدأ كرويف الاعتماد على لاعبه الشاب لتعويض غياب جواليرمو آمور، وفي موسم «1991 – 1992» حجز مكاناً أساسيًا في الفريق وهو ابن 20 عامًا.

كانت نظرة كرويف ثاقبة، جوارديولا تألق في منتصف الملعب، انضم إلى مجموعة مميزة من اللاعبين مثل خريستو ستويشكوف ورونالد كومان وميكيل لاودروب وجورج هاجي وغيرهم، ونجح هذا «الجيل الذهبي» في الفوز بالليجا 4 مواسم متتالية «1991 – 1992 – 1993 – 1994»، إضافة إلى 7 ألقاب أخرى خلال حقبة كرويف بين عامي «1988 و1996».

بعد رحيل كرويف جاء بوبي روبسون ثم لويس فان جال، وحافظ جوارديولا على مكانه في منتصف الملعب، لم يتزحزح رغم التغييرات المتعددة التي شهدها تشكيل الفريق خلال هذه الفترة.

«يلعب بعقله»

حين لامست قدما جوارديولا عُشب «كامب نو»، كان هناك لاعب آخر يرقبه ويتساءل: «ما الذي يملكه هذا الشاب الصغير ليحظى بثقة المدرب الهولندي».

يقفُ إيزيبيو ساكريستان، لاعب الوسط المدافع، والمدير الفني الحالي للفريق الثاني لبرشلونة، منتظرًا مشاركة الشاب الذي الذي جذب أنظار كرويف.

يصف ساكريستان جوارديولا قائلاً: «ليس سريعًا، لا يجيد الركض بالكرة، لا يجيد الالتحامات، لكنه أصبح في فترة قصيرة محور الفريق، عقله كان يعمل بسرعة، بسرعة الضوء يتحكم في أداء الجميع».

كيف كان يلعب جوارديولا؟.. يقف أمام قلب الدفاع، تراه في المساحة بين منطقة جزاء برشلونة ودائرة منتصف الملعب، لا يتجاوزها إلا قليلاً، يدافع بإغلاق المساحات، لا يميل للالتحام مع الخصوم، لا يندفع ولا ينزلق إلا قليلاً، يصعب تجاوزه صوب الدفاع ثم الحارس.

يتسلم بيب الكرة من المدافعين، يميل للأطراف عند استلامها، يتخذ، بسرعة فائقة، قرار التمرير، ربما قبل أن تصله الكرة، يُمرر، ينطلق إلى المساحة الشاغرة، يتسلم الكرة مجددًا ثم يمررها سريعًا وهكذا.. تمريراته قصيرة دقيقة، تصل في الغالب لأقرب لاعب، يمرر للأمام وعلى الأطراف، لا يُخاطر بتمريرة تُربك زملاءه، خاصة لاعبي الأطراف.

كانت فلسفة كرويف واضحة، تعتمد على الاستحواذ على الكرة أطول فترة ممكنة، بَحَث عن لاعب محوري، يتحكم في الأداء، ويدور حوله الجميع، وكان جوارديولا هو هذا اللاعب، تشرّب الفتى اليافع طريقة اللعب وأتقنها.

جوارديولا، لم يكن اللاعب ذا التمريرات القصيرة، موزّع الكرات للاعبي الوسط وللأطراف فحسب، لكنه كان يمتلك ميزة هجومية يندر وجودها الآن.

كان بيب يجيد بإتقان مهام صانع الألعاب المتأخر، يمرر كرات طويلة من منتصف الملعب أو من أمام منطقة جزاء فريقه لتصل خلف مدافعي المنافس، استفاد روماريو وفيجو ولادوروب وستويشكوف وغيرهم من تمريراته وصنع لهم العديد من الأهداف.

أسلحته الهجومية لم تقتصر على صناعة الأهداف من المناطق الخلفية، حين كان يتقدم ليلامس حواف منطقة جزاء المنافس كان يسنُ قدمه اليمنى وأحيانًا اليسرى لتزور قذائفه شباك المنافسين، وكان متخصصًا في تنفيذ الركلات الثابتة.

المبدع والمُدمر

شهدت كرة القدم في السنوات الأخيرة من التسعينيات ومطلع القرن الحالي طفرة هائلة، تغيرت طرق اللعب، وتغيرت معها المهام المطلوبة من بعض اللاعبين، واختفى مع هذه التغييرات نجوم بارزون وصعد آخرون للقمة.

«4-4-2» أصبحت طريقة اللعب الأكثر انتشارًا، بعدما نجح الإيطالي العبقري أريجو ساكي في إحيائها وتطويرها خلال قيادته لميلان.

ظهيرا الجنب أصبحا محور الأداء الهجومي، لاعبون أمثال روبرتو كارلوس وكافو وفابيو جروسو وجيانلوكا زامبروتا أصبحوا سلعة شديدة الرواج في سوق الانتقالات، تراجع دور مهاجم الصندوق أو «الصياد» كما يُلقب.

وفي خط الوسط، كان جوارديولا يراقب كل هذه التغييرات، يقدم أداءه المعتاد، يمرر بدقة، ويصنع الأهداف من منتصف ملعب فريقه، يتابع الكالتشيو بشغف، وينظر إلى هذا الثنائي المتواجد في وسط يوفنتوس.. إدجار ديفيدز وزين الدين زيدان.

ظهرت في هذه الفترة ثنائية جديدة في وسط الملعب، أطلق عليها البعض «المدمر والمبدع».. «destroyer-creator model».. تعتمد على لاعبَيْن؛ الأولُ، لاعب قوي، سريع، يلتحم كثيرًا، يندفع وينزلق، يركض في منتصف الملعب وأمام منطقة الجزاء، لا يُشترط بالضرورة أن يكون ممررًا دقيقًا للكرات أو صانع ألعاب متأخرًا وكان ديفيدز وباتريك فييرا النموذج الأبرز لهذا النمط من لاعبي الوسط، والثاني هو المُبدع الذي يتسلم الكرة من منتصف الملعب ويركض للأمام قادرًا على صناعة الفرص، وفي يوفنتوس كان زيدان يقوم بهذا الدور في هذه الفترة.

زادت حيرة جوارديولا، لم يستطع الدفاع والركض بهذا الشكل، ولم يستطع صناعة الهجمات من المناطق الأمامية والتواجد بشكل مستمر في منتصف ملعب الخصم.

حاول بيب مجاراة هذه التطورات لكنه أخفق، قرر الرحيل عن برشلونة وقال في مؤتمر الوداع: «كرة القدم تغيرت، أصبحت أكثر سرعة، زاد اعتمادها على القوة البدنية.. الخطط تطورت، والمهام المطلوبة من اللاعبين اختلفت، الآن يجب على لاعب الوسط أن يحتفظ بالكرة، وأن يجيد الالتحام وينزلق على أرض الملعب مثل باتريك فييرا وإدجار ديفيدز، أمّا تمرير الكرة فأصبح ميزة إضافية، بالنسبة للاعبي الوسط (المحور) أصبحت المهام جميعها دفاعية، لم يعد لي مكان.. اللاعبون أمثالي انقرضوا».

منح بيب نفسه فرصة ثانية خارج «كامب نو»، حاول أن يواكب هذه التطورات في «بريشيا» و«روما»، لكنه أخفق، توجه إلى قطر، لعب في صفوف الأهلي، ثم رفع الراية البيضاء وأعلن اعتزاله في صفوف دورادوس المكسيكي.

طوى جوارديولا صفحته كلاعب كرة قدم مُبدع عجز عن مجاراة تطور طرق اللعب، وبدأ صفحة جديدة كمدرب، فلسفتها الرئيسة.. التمرير ثم التمرير ثم التمرير.