محمود شاكر ولويس عوض صراع بين الأصولية والعلمانية (24)

مراد وهبة السبت 24-01-2015 21:06

ما الذي دفعنى إلى البحث عن العلاقة بين محمود شاكر ولويس عوض؟

إنه محمود شاكر نفسه عندما قرأت كتابه المعنون: «أباطيل وأسمار» (1965)، وكانت غايته من تأليفه الدفاع عن الأمة العربية والإسلامية، فقد ارتأى أنه هو وحده المسؤول عن تأدية ذلك الدفاع ضد الغزو الثقافى الغربى، الذي قام أولاً بممارسة عملية «تفريغ ثقافى» كان التمهيد لها بإعداد أجيال من المبعوثين يعودون من أوروبا ليكونوا قادة ذلك التفريغ الثقافى، وكان رفاعة الطهطاوى أحسن تمثيل لذلك التفريغ، ثم اتسع حتى شمل تلاميذ المدارس. وبعد ذلك اتسع أكثر بالعودة إلى الفرعونية والفينيقية، ثم ظهر الاستشراق الذي ارتبط بالاستعمار لتحطيم الثقافة العربية الإسلامية. ومعنى ذلك أنه إذا أراد العالم الإسلامى تفادى تحطيم ثقافته فيلزم أن يكون على وعى بأن العاصم من هذا التحطيم يأتى من قِبل الثقافة وليس من أي مصدر آخر.

ثم قام ثانيا بشحن عقولنا بثقافته حتى يفسد ثقافتنا. واصطنع أسلوباً ماكراً لتأدية مهمته، إذ استعان بإنسان من الأمة العربية الإسلامية كان قادراً على إنجاز تلك المهمة. وكان هذا الإنسان لويس عوض.

والسؤال إذن:

ماذا فعل لويس عوض؟

إنه- في رأى محمود شاكر- ارتكب إثماً عظيماً، وهو تطاوله على حضارة العرب عندما قال في كتابه المعنون: «على هامش الغفران»، إن أباالعلاء المعرى كان مطلعاً على التراث اليونانى الوثنى. ومغزى هذا القول أن مَنْ يطلع على ثقافة غير ثقافة العرب يرتكب إثماً عظيماً. والجدير بالتنويه، ها هنا، أن هذه العبارة تعبر عن تيار شائع في التراث العربى الإسلامى بوجه عام، وفى تراث الإمام الغزالى بوجه خاص عندما كفر فلاسفة المسلمين في بداية كتابه «تهافت الفلاسفة»، بسبب انبهارهم بأسماء هائلة من الفلسفة اليونانية القديمة مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو. وأظن أنه يمكن تسمية ذلك التيار بأنه «تيار سحق الغرب». ويمثله الآن أفضل تمثيل محمود شاكر في قوله إن ثمة صراعاً بين حضارتين مختلفتين في جذورهما أشد الاختلاف: حضارة «غافلة» لا يفارقها شعورها القديم بالأمن والاطمئنان، وحضارة «يقظة» لا يفارقها شعور دائم بالقوة والبطش والضراوة.

والسؤال إذن:

ماذا فعلت الحضارة اليقظة بالحضارة الغافلة؟

يجيب محود شاكر وفى ذهنه «الشرلتان» لويس عوض، وهو كذلك لأنه يتلاعب باللغة العربية، فيضيف إلى ألفاظها معانى جديدة يراكم بها على المعنى الأصلى. وهذا التراكم يسميه محمود شاكر «المجاز»، أي اجتياز معنى جديد إلى معنى قديم. وتكثر المعانى الجديدة وتتلاحق على اللفظ الواحد، ومن ثَمَّ يسير الإنسان في طرق غريبة، وعندئذ يصاب بالغفلة، فإذا أردنا اليقظة من الغفلة لزم تجنب المجاز. وإذا كان المجاز هو أصل التأويل على نحو ما يرى ابن رشد، وإذا كان التأويل يعنى إعمال العقل في النص الدينى، وإذا كان محمود شاكر يرفض التأويل، فإنه يرفض إعمال العقل ويدعو بالضرورة إلى إبطال إعمال العقل، ومن ثَمَّ يثبت الغفلة ويمنع اليقظة ويكون بذلك أصولياً نقياً في مواجهة علمانية لويس عوض، إذ كانت لديه الجرأة في الانشغال بما يسميه «أدب الآخرة»، وهو أدب وارد عند المعرى في وصفه كلاً من الجنة والنار. والمفارقة هنا أن محمود شاكر قد استعان بهذا الأدب في سخريته من الدكتور مجدى وهبة عندما قال له: «كنت أتمنى أن تصحبنى في الجنة والله يا مجدى لولا علمانيتك اللعينة».