بعد عقود طويلة من التمجيد والتخليد، انتشرت فيها تماثيل الرئيس السورى السابق حافظ الأسد، في كل ميادين وشوارع سوريا، وصوره بجميع المصالح الحكومية والمدارس والجامعات وحتى المبانى غير الرسمية، وسيطرت كلماته على الجدران والحوائط، جاءت الثور السورية لتطيح بكل هذا المجد، ففى مناطق كثيرة دمر الثوار ومن بعدهم المقاتلون، تماثيل الأسد الأب، ومزقوا صوره ولطخوا ومحوا كلماته من على الجدران.
أما في المناطق التي يسيطر عليها الكرد، فالأمر أخف قليلاً، فمازال تمثاله يتوسط شارع الجمهورية بوسط مدينة قامشلى، وصوره مرفوعة إلى جوار ابنه بشار الأسد على بعض المبانى الحكومية مثل سنترال المدينة، ولازالت كلماته باقية على عدد غير قليل من جدران المبانى الحكومية والمدارس، بعضها تعرض للطمس بفعل الزمن، وبعضها الآخر بقى كما هو وكأنه كتب بالأمس. يريد الكرد من وراء ذلك تأكيد أنهم غير مشغولين بـ«الماضى»، ولا يهتمون إلا بالحاضر والمستقبل، وأن الأمور ليست بالتماثيل والصور، وأنهم ليسوا في عداوة مع أحد.
إلا أن هذا الوجود «المحدود» لحافظ الأسد يقابله طغيان لافت لزعيم حزب العمال الكردستانى «عبدالله أوجلان»، حيث لا يخلو شارع أو ميدان من صوره وكلماته المأثورة التي يعتبرها الكرد في سوريا وتركيا خاصة بمثابة دستور حياتهم وربما كتابهم المقدس. فالرجل الذي أسس حزب العمال الكردستانى «pkk» التركى ـ وبالمناسبة كان ذلك في سوريا في عهد حافظ الأسد وبمباركة ومساعدة منه ـ يعد زعيماً لجانب كبير من الشعب الكردى، ورغم أنه يقبع سجيناً في جزيرة إيمرالى التركية منذ سنوات طويلة، إلا أن شعبيته تتزايد يوماً بعد الآخر، خاصة مع النجاحات التي حققها الكرد في سوريا مؤخراً.
عبدالله أوجلان الذي يسميه الكرد «آبو» أي العم، حلت صوره محل صور حافظ الأسد في جميع المدارس والمعاهد والمصالح الحكومية، وصارت أقواله تحتل مساحات كبيرة من جدران المبانى في المناطق التي تقع تحت سيطرة الكرد.ومن اللافت أنه في المدرسة الثانوى الزراعية المهنية بمدينة القامشلى، تواجد «أوجلان» و«الأسد»، ففى حين يقول الآخر: «على من يرغبون في محاكمة الغير والحكم عليهم بالموت، أن يتمكنوا من محاكمة ذاتهم، ومن يود الدفاع عن غيره عليه معرفة كيفية الدفاع عن ذاته، ومن يسعى لتحرير غيره عليه أولاً معرفة كيف يحرر ذاته».
أما الأسد فيقول: «أنتم أيها الشباب زهو الحياة في هذا البلد وزهرها، أنتم كرم الحياة، بكم يبدأ الأمل، بكم ينمو ويكبر الأمل، بكم يتحقق الأمل».