أيام قليلة وينتهى عام 2009 ليبدأ العقد الجديد من الألفية الثالثة، شهد العام الماضى العديد من الأحداث المختلفة فى المشهد الثقافى العالمى، من الإصدارات الجديدة بالآلاف إلى الجوائز المرموقة، والعديد من الأحداث المختلفة التى رسمت ملامح هذا العام المنصرم، وبطبيعة الحال لا يمكن رصد جميع الأحداث من الألف إلى الياء، لكننا نرصد معا أهم ملامح ومشاهد الثقافة العالمية فى عام نستعد لطى أوراقه.
قبل أن نبدأ فى رصد الملامح يجب علينا التوقف قليلا أمام خبر أعلن منذ أيام ولكن تأثيره ربما يسود السنوات المقبلة فى مجال الكتب، وهو خبر توقيع أول عقد للاستغلال الحصرى لمؤلف بطريقة الكتاب الإلكترونى e-book إذ وقع الكاتب الامريكى «ستيفن أر كوفى»، وهو واحد من كبار الكتاب العالميين فى مجال تنظيم الوقت وإطلاق القدرات البشرية فى العمل والحياة خلال العشرين عاما الأخيرة، عقدا ينقل جميع حقوق نشر كتبه المطبوعة من دار «سايمون اند شوستر» الى شركة النشر الرقمى «روستا بوكس» المتخصصة فى الكتب الإلكترونية وبيعها عبر موقع أمازون صاحب جهاز كيندل القارئ الإلكترونى الأكثر شعبية. ولم يقتصر العقد على الكتب المنشورة بالفعل للكاتب بل تضمن أيضا حق النشر الإلكترونى الحصرى لأعماله التى سيصدرها خلال العام المقبل مقابل 50% من قيمة مبيعات الكتب، وتسببت هذه الخطوة فى اشتعال حالة الحرب بين الناشرين والمؤلفين، وسارعت دار «سايمون اند شوستر» بإعلان إصرارها على الحفاظ على مكانتها وحقوقها فى استغلال الكتب مهما كلفها الأمر.
والجديد فى هذا الخبر أنه منذ ظهور «الكتاب الإلكترونى» للحياة تنظر إليه دور النشر باعتباره وسيلة مكملة لعملية النشر الورقية التقليدية ترفع من نسبة الأرباح وتخاطب جمهورا مختلفا ومحدودا، إلا أن التطور الذى شهدته أجهزة القراءة الإلكترونية خاصة «كيندل» أحدث نقلة فى طبيعة الجمهور المستهدف خاصة مع انخفاض سعره مما أثار قلق دور النشر الكبرى، وجاء العقد الجديد ليعمق المخاوف ويبشر بعالم جديد من الكتب غير المطبوعة.
ومن ناحية أخرى ومع نهاية كل عام تتسابق المطبوعات فى وضع قوائم الأفضل والأسوأ، وبالطبع تخضع معايير الاختيار للرؤية الشخصية، لذلك ليس من الغريب أن نلاحظ اختلاف اختيارات الأفضل من مكان لآخر خاصة مع ضخامة عدد الإصدارات واستحالة أن يقرأ الجميع كل شىء. كانت الملاحظة الأولى اختفاء أسماء كتاب الرواية الكبار الذين صدرت أعمالهم هذا العام، مثل «جيمس باترسون» وروايته «أنا اليكس كروس»، أو «الرمز المفقود» لـ«دان براون»، والتى حققت يوم صدورها مبيعات تجاوزت مليون نسخة، أو «تحت القبة» لـستيفن كنج»، و«مقاطعة فورد» لـ«جون جريشام» أو كتاب «Going Gouge» لـ«سارة بالين» حاكمة ولاية آلاسكا السابقة وذكرياتها وأسرار كواليس فترة الانتخابات الأمريكية التى انتهت بوصول «أوباما» إلى رئاسة الولايات المتحدة.
وبدلا من ذلك كله ظهرت عناوين وأسماء أخرى مثل الكاتبة الأمريكية «مايل ميلوى» ومجموعتها القصصية الثانية Both Ways Is The Only Way I Want "كل الطرق هى الطريق الوحيد الذى أريد"، ويضم الكتاب 11 قصة قصيرة تربطها حالة التوتر لدى الشخصيات الناتج عن الصراع بين المتناقضات، وتعد ميلوى واحدة من كتاب الاتجاهات الحديثة للكتابة فى الولايات المتحدة والتى تعتمد على أسلوب الحكى وإظهار قوة العاطفة ووصف تفاصيل الاماكن، والأهم التعاطف مع المخطئين انطلاقا من فكرة أن الظروف العبثية هى التى تجعل المخطئ يقوم بهذا السلوك. وعاد اسم الكاتبة «لورى مور» للظهور مرة ثانية برواية A Gate At The Stairs "بوابة على الدرجات" بعد انقطاع دام 11 عاما، وتبدأ روايتها عقب أحداث 11 سبتمبر كعلامة فارقة ليس فقط فى تاريخ العالم لكن أيضا فى حياة بطلة الرواية «تاسى» الفتاة الريفية التى تعيش مع والدها المزارع فى مجتمع مغلق وتمتلك الطموح وطاقة التمرد على كل ما يحيط بها فتقرر مغادرة الأسرة الى المدينة للالتحاق بالجامعة والعمل كمربية أطفال لتتغير حياتها للأبد حينما تجد نفسها وسط أسر وأطفال مختلطى الأعراق.
أما بالنسبة للكتب غير الروائية فقد جاء كتاب "جنود طيبون" The Good Solders للصحفى الأمريكى «ديفيد فينكل»، الحائز على جائزة بوليتزر للصحافة، ومراسل صحيفة واشنطن بوست، متصدرا قوائم الأفضل، وهو عبارة عن تجربة لصحفى عاش مع الجنود الأمريكيين فى العراق لمدة 8 أشهر ويرصد الكتاب أنه فى الوقت الذى أعلنت الإدارة الأمريكية أن الأمور فى العراق بدأت فى الاستقرار كان على هؤلاء الشباب أن يواجهوا كل يوم قذائف الهاون والعبوات الناسفة المصنعة محليا والموجودة فى أماكن يصعب تخيلها بجانب استهدافهم من جانب المقاومة العراقية.
واحتفى النقاد بكتاب الاسترالى «مايكل كاسى» Che After life"«تشى جيفارا» بعد وفاته"، ويتحدث الكتاب عن صورة «تشى جيفارا" زعيم الحرب الأرجنتينى المولد، والتى ظهرت لأول مرة بواسطة المصور "ألبرتو كوردا" عام 1960 لتصبح بعد ذلك واحدة من أشهر الصور فى العالم ورمزا لمقاومة النظام الرأسمالى، ولكنها أيضا أصبحت من أكثر العلامات التجارية تسويقا فى العالم وبدا التداخل كبيرا بين مفاهيم الثقافة والأيديولوجيا السياسية والمفاهيم التجارية التى أصبحت بها صورة «جيفارا» على القمصان وسلاسل المفاتيح وحتى الأحذية، فالثائر الشهير لم يعد أسطورة سياسية لكنه كذلك أسطورة تجارية