نهاية العالم

هيثم دبور الجمعة 16-01-2015 21:24

على مدار أفلام هوليوود الأثيرة والمكررة عن نهاية العالم لا أذكر أننى رأيت مشهدا يصور تلك النهاية فى مصر، فيصور المخرج مثلما يفعل بكل عواصم العالم الدمار والخراب الذى حل بالمعمار والحضارة التى شيدها الإنسان لسنوات، سواء نتيجة لتغير مناخى كسا الأرض بالثلوج أو أذاب قشرتها الأرضية من الحرارة، ربما لأنه لم يرغب فى صنع فيلم تسجيلى، أو أنه لم يجد على تلك الأرض من المعمار والحضارة ما يجعلنا نبكى ونتأثر بفقدنا لما كان لدينا.

كانت لدينا مدينة ساحرة اسمها الإسكندرية، بها من البهاء الأوروبى الكثير، مواقع مخصصة على أرصفة شارع سعد زغلول لتحرك ذوى الاحتياجات الخاصة، وبالوعات معدنية بها فتحات لابتلاع تلك المياه التى قد تفيض فى مدينة ساحلية، نعرف منذ الأزل أن بها نوات وأمطارا غزيرة، والتى كانت كفيلة باستدرار عطف المشاهدين لو أنهم رأوها غارقة فى تسونامى.

كان لدينا وجه أثرى وحضارى لمصر الجديدة، الذى بناه البارون إمبان، المبانى والفيلات الساحرة، والزخارف المميزة فى الواجهات، والتى كانت لتُبكى المشاهدين حين يرون جدرانها تتشقق وتنهار بفعل زلزال مفاجئ ناتج عن انهيار القشرة الأرضية.

كانت لدينا آثار فرعونية يبجلها الأوروبيون فى متاحفهم وميادينهم، والتى كنزناها فى المتحف المصرى وسط القاهرة لتصبح على مرأى الأشهاد، والتى كان كفيلا أن ترى على الشاشة انسياب شريط مياه يدمر تلك التركة التاريخية، وأن تزيد من حجم الدراما على الشاشة بأن تصور عاملا قليل الحيلة يمسك فى يده فوطة مطبخ ويقوم بمحاولات بائسة لتجفيف شريط المياه الذى ضرب ذلك التاريخ.

أما الأكثر تأثيرا ووجعا من كل ذلك هو فقد البشر، أكثر المشاهد تأثيرا على الشاشة هو رؤيتك لآخرين يموتون ويتركون وراءهم هذا الأثر الإنسانى والحضارى، ونحن كان لدينا شعب منفتح عاش بجوار الجريك والأرمن والإنجليز فى القاهرة والإسكندرية، لا يتحرش بهم ولا يرفض مخالطتهم والانفتاح على أفكارهم، شعب يحترم إنسانية الآخر، يتأثر بمقتل أو استشهاد بنى وطنه، ويقف فى وجه الاحتلال فى الكنائس والمساجد سواء، انتصارا للمواطنة.. كان لدينا كل ذلك، ورؤية عملية فقده على الشاشة ربما تؤثر على نفسية المشاهدين.