فى السنوات الأخيرة تعرضت صحف مصرية للحصار والتهديد والاقتحام والحرق، كما تعرض صحفيون للموت، لكن مثل هذه الحوادث ظلت شأنا داخليا، فلم ينشغل العالم مثلا باقتحام مقر صحيفة الوفد، ولم ينزعج لحصار مدينة الإنتاج الإعلامى وترويع الداخل والخارج لعدة أسابيع، وعندما خرج المصريون لتفويض السيسى لمواجهة الإرهاب تعامل العالم ببرود وتحفظ مع الحدث، وعندما ظهر الوجه القبيح للتفجيرات اكتفى سادة الغرب بتصريحات فاترة لا تزيد على عبارات عزاء للضحايا، تخدمه فى معركته ضد الإرهاب حسب تعريفه، فالغرب لم يتحرك عندما قتل المتطرفون 150 طفلا فى مدرسة بأحد أقاليم باكستان، ولم يغير موقفه بعد قتل ضباط وجنود مصريين فى الفرافرة، وكرم القواديس شمال سيناء، وقبلها تفجير مديريتى أمن ومراكز شرطة فى مصر!
الغرب يتحرك عندما يتعلق الأمر به، فعندما يتوحش «داعش» فى سوريا والعراق، ويقتل آلاف الرجال والأطفال ويسبى النساء، يظل الغرب متفرجا ومعلقا بالكلمات، لكن عندما يقتل مواطن غربى واحد ترتفع صيحات الغضب ويتم تكوين تحالف دولى، وتخصيص ميزانيات ضخمة لضرب داعش، وقصف أى مكان يتواجد فيه بصرف النظر حتى عن خسائر المدنيين المسالمين.
لست من المعادين للغرب، ولست قريبة بأى حال من أى أفكار متطرفة، بالعكس ربما يعتبرنى البعض فرانكفونية درست على يد الفرنسيين فى الليسيه، وزرت العديد من الدول الأوروبية، وأبديت إعجابى بالنظام والتقدم واحترام القانون فى الغرب، وقد لاحظت تباينات شديدة ومرتبكة فى مواقف أصدقائى الذين يعيشون فى الخارج، والذين أتواصل معهم بشكل مستمر، فهناك من حمل بشدة على الإسلام والمسلمين واستسهل إدانة «الحضارة المتخلفة» التى ينحدر منها منحازاِ بلا شروط للحضارة التى التحق بها، وهناك من رصد المشكلة بعقلانية وأدان بتحفظ، وانتقد الجانب العنصرى والمتعالى فى الغرب، ويؤكد بعضهم ضرورة فهم النظرة للدين بين الشرق والغرب، فالشعوب الشرقية تقدس معتقداتها وقد تقتل من يمسها، بينما الشعوب الغربية تتقبل النظرة إلى الأديان بشكل نقدى وساخر، حتى إنهم يهاجمون المسيح والأديان دون أى حساسية، لكن هذا لا يمنع وجود متطرفين وصل الأمر ببعضهم إلى صك مصطلح غريب شاع فى أمريكا وأوروبا خلال السنوات الأخيرة تحت مسمى «الجهاد المضاد»، ومن بين هؤلاء يتصدر الباحث الأمريكى ستيفن إيمرسون صدارة ناشطى الجهاد المعاكس ضد «الجهاد الإسلامى»، لكن ستيفن الذى يدير مؤسسة بهذا الاسم ظهر على قناة «فوكس نيوز»، الأمريكية، قبل أيام، وشن هجوما عنصريا على المسلمين فى الغرب، وادعى أن مدينة برمنجهام، الإنجليزية، صارت تحت سيطرة المسلمين تماما، ولا توجد فيها إلا نسبة ضئيلة من غير المسلمين، بل إنه تطرف فى ادعاءاته مؤكدا أن هناك مناطق فى العاصمة لندن تنتشر فيها فرق من الشرطة الإسلامية تمنع السيدات السافرات من الخروج للشارع، ولا يتم السماح إلا للمحجبات اللاتى يرتدين الزى الإسلامى!، ولما سألت أحد أصدقائى المصريين المقيمين فى برمنجهام، قال لى متعجبا: ده كلام فاضى، يظهر أن التطرف والادعاء مرض شعبى موجود فى الشرق والغرب على السواء.
المؤسف أن مثل هذه الفجوة بين الحقيقة والخيال تساهم فى إشعال الحرائق واستمرار الفتنة، لأن العقل الغربى يتصور أن رسم «الرسول محمد» على غلاف شارلى الجديد يعتبر تصحيحا لصورة الإسلام، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام حزين على الفتنة ويتضامن مع ضحايا الصحيفة، كأنه يتبرأ من المتطرفين المحسوبين على الإسلام، بينما قد لا يصل الرسم للمسلم بهذا الفهم ويعتبره إهانة للرسول الكريم، لذلك يستنكر قطاعات كبيرة من المسلمين الغلاف الذى يقترب توزيعه فى فرنسا من المليون نسخة، وهذه الفجوة هى المشكلة، والتى ستظل موجودة.