بهاء طاهر .. هنا ينبت البستان

كتب: إسلام حامد الإثنين 12-01-2015 22:03

«المصرى اليوم» تحتفل بعيد ميلاد الأديب الكبير الـ80

طوال الوقت، نحاول أن نعقد قران الواقع على أحلامنا فى قاعة الحياة، بعثراتها وانحرافاتها، بتحفظها، وعشوائيتها. نجرب أن نسكب على ملامحها بعض العطر لنراها وردة، أو نضع على جبينها بعض قطرات الماء ونسميها بحرا، أو ندهن جسدها باللون البرونزى فى عز نواتها لنشعر بحرارة الشمس. قاسية أحلامنا أكثر من صعوبة تحقيقها، نبحث عن الحرية فى بلاد أخرى، ونبحث عن التقدم فى أرض لا تشبهنا، ونفتش عن الجمال فى لغات لا نتكلمها، ونرتدى أفكارا نستوردها، ونحارب انقلابات نابتة فى أرضنا بمحراث لا يعرف أشجارنا. نتحاور مع بعضنا بالدبابات، وننصح بعضنا بالمدافع، ونفضل الحدائق الصناعية الجاهزة بألوانها الزاهية على أن نزرع ونرعى نباتاتنا الأصلية، فنصبح أشخاصا غيرنا، تحمل ملامح لا تخصنا، تنمو فى «صوبة» الآخرين، وقبل الغربة الكاملة، نحتمى بالقليل من صوفية السماء، واليسير من صلوات السلف، والنادر من روحانية بيوت الله، والكثير من أشواك «أوراد» الأثر، لكن غالبا يأتى من يقطفنا فى غير أواننا. فى شارع ما فى هذا الوطن، فى ركن ما فوق أرفف مكتبة، فى «فرشة» ما لبائع جرائد، تجلس روحنا الأصلية الراقية التى تعبر الحواجز بالحب والإخلاص، بالهدوء الذى يهضم أعتى الصرخات، بالرومانسية الواقعية التى تفتح خيالنا المصرى المتفرد بمفاتيح لا تعمل إلا فى يد كل من تربى فى هذا الوطن. الروح التى تعرف «طينتنا الإلهية» ورياحنا الحنون، وشمسنا الدافئة، ولغتنا الثرية، وأشجارنا الثابتة ثبات نقوش المعابد فى جنوب صلب، وسواحل حرة، وصحراء خيالية، ومدن حضارية.

على أرفف المكتبات، تجلس روحنا فى سطور قصص وروايات «بهاء طاهر»، تنادى المتعبين والكادحين والباحثين عن الفاصل الأبدى بين الروح والجسد ذى الصدر الخصب الذى لو رمينا فيه بذور أحلامنا ينبت البستان الحقيقى.

ثلاثة أعوام اكتملت استدارتها، مرت على جلسة سحرية، فى حجرة المعيشة والدفء، فى منزل بهاء طاهر، قص لنا شريط ذكريات طفولته، وروى شجرة شبابه، فعشنا ثلاث ساعات فى حضرة بستان نتمنى أن يظل ينمو.

الكبير بهاء طاهر.. كل عام وأنت بصحة وسعادة وإبداع.

«التكوين».. غارات وموت وحواديت و«أبوك اللى بيكتبلك»الكاتب والروائي بهاء طاهر، خلال حوار خاص مع ;المصري اليوم ;، 16 يناير 2012.

يكمن مفتاح الإنسان فى سنواته الأولى، فما نزرعه فى الطفولة نحصد ناتج تفاعله مع الحياة فى الكبر، وعادة يوجد مفتاح الأدباء فى دوبارة معلّقة فى صدور أمهاتهم.

تمتد ذاكرة «بهاء طاهر» إلى طفل «آخر العنقود» والثامن فى الترتيب بين إخوة ولد كل منهم فى محافظة، بينما كان ميلاده فى آخر محطة وصل إليها والده، مدرس اللغة العربية، وهى الجيزة التى تضع رأسها فى القاهرة وقدميها فى الصعيد.المزيد

«الكتابة»..أحيانا تسلب الحرية وأحيانا تنقذ من الانتحار الكاتب والروائي بهاء طاهر، خلال حوار خاص مع ;المصري اليوم ;، 16 يناير 2012.

الكتابة امرأة متقلبة؛ تمنح الحب وأحيانا الكراهية، تدفع من يبذل الجهد سنوات إلى السماء، وتهبط به إلى الأرض فى لحظة اختلاف. تغوى من يبتعد عنها، وتقتل من يقترب منها، وتصاحب من يتآمر عليها، وتتوسل إلى من يهجرها. هى المتهم والادعاء والقاضى والمتهم وأدلة النفى والثبوت، بل هى ساحة المحكمة نفسها. يظل من يملك الموهبة الحقيقية «عباد شمس» يتجه إليها أينما كانت، فتسلبه الحرية أحيانا، وتنقذه من الموت دائما.المزيد

«السياسة».. كانت الأحزاب مدارس والتظاهر «فرض عين»الروائي والأديب بهاء طاهر، يتحدث خلال حوار مع المصري اليوم، القاهرة، 29 ديسمبر 2011.

أول مظاهرة خرج فيها «بهاء طاهر» كانت عام 1948 من أجل فلسطين، وضد الصهيونية. كان عمره 13 سنة، وكان فى السنة الثانية الثانوية فى مدرسة السعيدية. كان التلاميذ يخرجون فى المظاهرات من سنة أولى، وكانت المظاهرة تبدأ بهتاف: «يسقط الطلبة الجبناء»، ثم يتجمعون فى حوش المدرسة، ويبدأ الداعى للمظاهرة يخطب فيهم، وكثيرا ما كانت تحدث مشاجرات بينه وبين الإخوان، «وقتها ماكانش فيه غير الإخوان والوفد واليسار شوية والطوائف الأخرى قليلة، وكان عندنا مدرس تاريخ اسمه السعدنى حين يجد الطلبة الجبناء جالسين فى الفصول ينفعل جدا ويقول لهم: «مش بلدكم دى يا بهايم»، و«كان يشجعنا أن نخرج إلى المظاهرات، وكانت بلوكات النظام عساكر غلابة جدا يمسكون عصيان ومعهم درع صاج، لو زقيتوا يطبق، تحاصر السعيدية والجامعة حين تخرج مظاهرة، وكنا نُضرب، لكن الضرب كان مثل أكل الزبيب».المزيد

«الخطوبة».. وللأحداث العادية تفاصيل خاصة«المصرى اليوم» تحتفل بعيد ميلاد بهاء طاهر الأديب الكبير الـ80

«اسكت أرجوك، سأفعل كل ما أريد، وأرجوك أن تسكت».

«لا.. لا تقم الآن.. جفف عرقك قبل أن تخرج. قد يصيبك البرد فى الخارج».

بالجملة الأخيرة، أنهى الأب حواره مع الشاب الذى طلب يد ابنته «ليلى» بعد أن قدم له عرضا لا يمكن رفضه فى قصة «الخطوبة» لبهاء طاهر. العرض حقق فيه المفاوض- الأب انتصارا على غريمه بما يمتلكه من «شائعات» لا نعرف صحتها ولا مصدرها، والتى، على الرغم من نفيه الاعتقاد بصحتها، تظل أدوات قوية تعطيه سلطة فرض ما يريده، بالطريقة التى يريدها.المزيد

«نقطة النور»..كل الأرواح طيبة أمام المنزل الخالى«المصرى اليوم» تحتفل بعيد ميلاد بهاء طاهر الأديب الكبير الـ80

يغلق البعض باب الذاكرة، ويحاول البعض إعادتنا إلى مشهد متكرر بحروف وكلمات تتشابك لتصنع جملا مثل: «كيف يمكن أن أراك أنا، ولا ترى أنت نفسك»، و«أنت روحك أصفى من البلور، من أدراك بحياتى أنا أو ذنوبى»، و«الحب الحقيقى التقاء روحين» لتشكل معا شعاعا يدخل من النافذة، يلتقى مع أشعة أخرى ليرسموا رواية «نقطة النور»، فى حيز يمكن لجسدك أن يلحق به دون عبور الهاوية، فقط لو حاولت روحك.المزيد

«بالأمس حلمت بك».. خفق ذلك الجناح فمددت يدى «المصرى اليوم» تحتفل بعيد ميلاد بهاء طاهر الأديب الكبير الـ80

كان البياض يحاوطنى؛ السرير، والغطاء، والملايات، والجدران الأربعة، والباب، والشباك المستطيل. جلست على حافة الشباك 28 يوما، أنظر إليها كل ليلة بعد أن تنام من أثر المهدئات والأشعة والتحاليل اليومية. تنام بعمق صناعى حتى لا تشعر بآلام الجلطات التى انتشرت فى جسدها الضعيف. كانت القراءة هى السبيل الوحيد لقتل هجوم اللون الأبيض على قلبى، وقتل وقت يجب أن أظل خلاله مستيقظا لألاحظها.المزيد