كان لثورة عرابى الكثير من التداعيات والتجليات السيئة للغاية أبرزها مايتعلق بتقييد حرية الصحافة وحرية الرأى والتى تمثلت فى العمل بقانون المطبوعات، حيث صدر فى عهد وزارة شريف باشا فى السادس والعشرين من نوفمبر لعام 1881 قانون مقيد لحرية الصحافة خاصة أن لهجة الصحافة اشتدت كثيراً بعد الثورة العرابية. سمى هذا القانون قانون المطبوعات مشتملا على 23 مادة.
وتظهر قيود القانون بشكل واضح فى نصوص مواده خاصة التاسعة والعاشرة والثالثة عشرة والتى تنص على الآتى «يجوز للحكومة فى كل الأحوال حجز وضبط جميع الرسومات والنقوشات مهما كان نوعها أو جنسيتها متى وضحت أنها مغايرة للنظام العمومى أو الدين وكل جريدة أو رسالة دورية تشتغل بالمواد السياسية أو الإدارية أو الدينية وتصدر بانتظام فى أيام معلومة أو بدون انتظام لايجوز نشرها إلا بإذن من الحكومة كما أن التبليغات التى تصدر من نظارة الداخلية بقصد نشرها يجب أن تكون فى صدر أى صحيفة».
قامت الحكومة بإنذار مجلة المحاكم المختلطة (جازيت دى تريبنو) فى 18 يناير لعام 1882 بموجب القانون الجديد وذلك لخوضها فى المسائل السياسية دون أن يكون لها رخصة بذلك.
وعندما حل الاحتلال البريطانى تصدى للصحف الوطنية منذ يومه الأول التى كانت تتعصب للعرابيين ففى 23 سبتمبر1882 تم إلغاء جريدتى الزمان والسفير وعطلت جريدتا المفيد والنجاح بعد أن تم القبض على صاحبهما حسن الشمسى كما نفى محمد عبده إلى باريس والذى اشترطت سلطات الاحتلال لعودته ألا يعمل بالصحافة،
كما تم تعيين سعد زغلول قاضياً حتى لايتمكن من إصدار صحيفة العدالة التى كان يهدف بها التصدى لصحيفة المقطم المؤيدة للاحتلال البريطانى فتعددت التيارات ودارت المعارك الصحفية، ورغم أن كرومر كان ممثلا للاحتلال إلا أنه كان معارضاً لتقييد الصحافة ونالت الصحافة المصرية فى عهده حرية لم تعرفها منطقة شمال أفريقيا أو غرب آسيا وقتها فأهمل العمل بقانون المطبوعات
وكما وصفت مجلة الهلال فى عددها الأول 1910 الصحف المصرية فى عهد كرومر بأنها (أصبحت حرة مثل سائر التجارات المشروعة فلقد بلغت الصحافة المصرية إلى حد التطرف والتطاول حتى على الذى منحها تلك الحرية باختياره فلولاه لكانت مقيدة بسلاسل من حديد)وبهذا حققت مصر نهضة صحفية فلقد تعددت الصحف إلى 200 دورية وازداد توزيع الصحف وأصبحت صحف مصر تقف على قدم المساواة مع أشهر الصحف فى بعض الدول الغربية التى تطعن فى السلطة مادامت هناك مصلحة عامة
ورغم ماحققه كرومر من حرية فى الصحافة فإنه اعتبرها سلاحا وعنصر أمان له فقد عمد إلى خلق جبهة من الصحف التى تؤيد السياسة البريطانية فى ظل وجود الحرية وقد ظلت الصحف المصرية تنعم بالحرية من الفترة 1882 إلى 1907 ولكن تغير حالها مع مجىء السير الدون غورست ففى 25 مارس 1909 أصدر قرار بإعادة العمل بقانون المطبوعات القديم الصادر فى 26 نوفمبر لعام 1881 بحجة (أن عدم تنفيذ قانون المطبوعات لم يزد الجرائد إلا تماديا فى التطرف والخروج عن الحد).
ولقد أثار قرار إعادة العمل بقانون المطبوعات سخط الرأى العام على وزارة بطرس باشا وانهالت رسائل الاحتجاج وقامت المظاهرات فكانت أول مظاهرة بعد ظهر يوم الجمعة 26 مارس 1909 ثم تجددت المظاهرات يوم الأربعاء 31 مارس فى حديقة الجزيرة وخطب فيهم الأستاذ أحمد حلمى صاحب مجلة القطر فهتف المتظاهرون بسقوط قانون المطبوعات ولكن قوة البوليس فرقتهم وفى يوم الخميس الأول من أبريل حدثت معركة حقيقية من المتظاهرين وقوات البوليس بقيادة هارفى باشا حكمدار العاصمة لمدة 40 دقيقة وانتهت المعركة بدخول المتظاهرين السجن وبهذا أعيدت قيود قانون المطبوعات لتكبل يد الصحافة المصرية مرة اخرى بعد أن أطلق سراحها.