الدكتور محمد غنيم رائد زراعة الكلى: ليس لدينا بحث علمى.. والتعليم الجامعى «ردىء» (حوار)

كتب: غادة عبد الحافظ الأربعاء 31-12-2014 21:24

قال العالم الدكتور محمد غنيم، رائد زراعة الكلى بالشرق الأوسط، عضو المجلس الاستشارى العلمى للرئيس السيسى، إن مصر شهدت على مدار أكثر من 50 عاماً انهيارا كاملا فى التعليم والبحث العلمى، حتى أصبحنا نعانى من فقر شديد فيهما.

وأضاف«غنيم»، فى حواره لـ«المصرى اليوم»، أن هناك ارتباطا وثيقا بين التعليم والبحث العلمى ولا يمكن الفصل بينهما، مطالباً بترشيد المجانية وإعادة التعليم الفنى وتخفيض البعثات وزيادة مخصصات البحث العلمى وتركيز الإنفاق على مجالات محددة تضيف للناتج القومى. وإلى نص الحوار:

■ ما مشاكل البحث العلمى فى مصر؟

- لا يمكن الفصل بين التعليم الأساسى والجامعى والبحث العلمى فهى حلقات متصلة، وشىء واحد، ولا يخفى على أحد أنه ولفترة كبيرة جدا تجاوزت 50 سنة شهدت مصر تراجعا كبيرا فى التعليم سواء العام أو الجامعى، وبالتالى أصبح لدينا فقر وضعف فى البحث العلمى.

■ ما دلائلك على ذلك؟

- هناك دلائل على تقدم أو تأخر البحث العلمى فى أى دولة، أولها ما الموازنات المخصصة من تلك الدول للبحث العلمى، والنشر فى مجلات علمية مفهرسة، وللأسف فى مصر ولوقت قريب كانت موازنة البحث العلمى بها 0.01% (واحد من مائة فى المائة) من إجمالى الناتج القومى، أى ما يعادل 2 مليار جنيه أو أقل، وللأسف معظمها يستهلك فى رواتب الموظفين، فى حين أن دولة مثل إسرائيل تخصص 4.5% من الناتج القومى لها للبحث العلمى، ولو قارنا تلك النسبة بعدد السكان بها فإن مخصصاتها للبحث العلمى تكون أعلى من الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك هناك 7 مؤسسات علمية فى إسرائيل من أحسن 500 مؤسسة فى العالم، وإحنا فى مصر ليس لدينا مؤسسة واحدة مصنفة، وعندما تم تصنيف جامعة القاهرة فى وقت ما لمدة سنتين لم يكن لفضل لها ولكن لحصول مصريين على جائزة نوبل فى غير المجالات العلمية، مثل نجيب محفوظ والدكتور البرادعى والرئيس السادات وانتهى ذلك.

■ الدستور الجديد نص على زيادة نسبة مخصصات البحث العلمى.. فهل هذا كاف؟

- المأمول أن 2016 و2017، وفق الدستور، أن تصل فيهما مخصصات البحث العلمى لـ1% من الناتج القومى (واحد فى المائة) وتزداد تدريجيا وفق تطور الناتج القومى، يعنى هنتنقل من 2 مليار إلى 20 مليارا وهذا الرقم ليس كبيراً بالمقارنة باحتياجات البحث العلمى فى مصر، لكن هو قفزة ممتازة، والقضية الملحة جدا كيف نستخدم تلك الزيادات فعلينا أن نستخدمها بحكمة وإلا هتضيع فى الفاضى.

■ كيف يمكن الاستفادة من تلك الزيادة وفق رؤيتكم؟

- التركيز على نقط معينة وعلى بعض المحاور الأساسية فى البحث العلمى، يعنى نتخصص فى مجالات محددة، فمصر ليست بلدا ثرياً هيشتغل فى كل حاجة.

■ مثل ماذا من المجالات أو المحاور؟

- علوم ومعارف القرن الواحد والعشرين التى إذا لم نقتحمها سنتأخر أكثر ما نحن فيه، بالإضافة إلى علوم النانو تكنولوجى والعلوم المتصلة بها، علوم الطاقة وعلوم المياه وعلوم البايو تكنولوجى، وكل واحدة ممكن أن تزيد إجمالى الناتج القومى بشكل غير طبيعى.

■ كيف؟

- هناك مثلاً فى مجال النانو، أحد المجالات المقترحة، فى دولة اليابان تمكن علماؤها من صناعة ألياف الكربون من مخلفات البترول باستخدام النانو تكنولوجى، وهذه الألياف أقوى من الحديد 4 مرات، وأخف من الحديد 8 مرات، وهذه إضافة عالية جداً وهى نتيجة للبحث العلمى، وكذلك لو أخذنا مجال البايو تكنولوجى دواء واحد يؤتى ناتجا كبيرا ربما أكبر من الناتج القومى المصرى كله مثل دواء السوفالدى أو حتى الفياجرا، هذه اختراعات تسببت فى أرباح طائلة للشركات وللدول المنتجة والمصدرة، فعلينا أن ننتهج ذلك المنهج بحيث نتخصص فى أجزاء معينة ونركز عليها من خلال مراكز متخصصة، يكون لها نشاط ملحوظ أو مجهود مميز فى هذا المجال ونركز عليه، مش هنوزع كده المخصصات بشكل عشوائى كما يحدث حالياً.

■ كيف يتم توزيع تلك المخصصات حتى نحقق الاستفادة القصوى؟

- نحن نحتاج مواضيع وأبحاث مناسبة ومميزة وأماكن متخصصة، وشىء مهم آخر هو أن يتم توزيع تلك المخصصات بواسطة لجان علمية محايدة للغاية تبغى فعلا توزيع هذه الأموال على الأشخاص المناسبين فى الأماكن المناسبة فى الأبحاث المناسبة، وفيما يختص بالإنفاق يجب أن نبتعد عن البيروقراطية والتعقيد، وتكون هناك مرونة، يعنى مش لازم مناقصات فى مجال البحث العلمى، لأن هناك أجهزة محددة يحتاجها الباحث من أماكن متخصصة، فنترك الحرية للباحث إنه يجيب معداته وأدواته علشان يبدأ يشتغل مش يقعد يستنى الروتين والتعقيد، وكمان لما يرجع الباحثون لازم أعطيهم راتب كويس يساعده على المعيشة وتربية أولاده، ويعلمهم بشكل جيد حتى يركز فى مجال البحث العلمى ولا يضيع منى فى الاحتياجات اليومية.

■ ترسل مصر العديد من البعثات الخارجية لإثراء العلم والبحث العلمى، لكننا لا نسمع عن أى فائدة تذكر من هذا المجال لماذا؟

- لأنه يتم بشكل عشوائى وغير مدروس، فموضوع البعثات العلمية يجب أن يرتبط بتلك المحاور التى تحدثنا عنها فمصر بتطلع 800 بعثة كل عام، والحصول على الدكتوراه فى الخارج بيكلف الدولة ودافع الضرائب المصرى مليون ونصف المليون جنيه، ويعود المبعوث ولا نستفيد منه، وأنا أقترح أن نخفض عدد البعثات إلى 400 فقط، ولما يرجع الباحث أعطيه المليون ونصف المتوفرة وأقوله اعمل معملك واشتغل فى أبحاثك علشان أقدر أستفيد منه، ثانياً يجب أن يتم اختيار المبعوثين وفق معايير علمية دقيقة وحيادية بعيداً عن الواسطة والكوسة والدور.

■ هناك علماء كثيرون ومبعوثون مصريون نبغوا فى الخارج ولم تستفد منهم مصر.. كيف نستفيد من هؤلاء؟

- ضرورة استحضار أساتذة زائرين فى التخصصات التى ذكرناها ونحتاجها ولتكون البداية بالعلماء المصريين الموجودين بالخارج، وهناك كثيرون منهم وهؤلاء نختارهم أساتذة زائرين، ونبعث لهم المبعوثين بتوعنا بحيث يكون هناك نوع من التواصل، وهناك علاقة علمية مع الأساتذة المصريين والباحثين فى تلك العلوم.

■ مثل من؟

- الدكتور نبيل جريس، الذى يعمل فى إطار ألياف الكربون فى الولايات المتحدة وفى مجال الطاقة الشمسية، نبعت للدكتور النقراشى ومجال المياه هناك الدكتور هانى الكاتب ونعمل جدول نشوف فيه من العلماء المصريين فى المجالات التى نحتاجها، وهم كثيرون، ونستفيد من العلاقة العلمية معهم.

■ لماذا نجد أن العالم المصرى عندما يخرج خارج مصر يبرز نجمه وعلمه بينما فى مصر لا نشعر بذلك إلا قليلا؟

- الفكرة كلها فى حاجتين أولاً توافر الإنفاق على الأجهزة والأبحاث والمواد المستخدمة، وثانياً توافر القاعدة العلمية فالآن العلوم ليس اختراعات فردية، فهناك قواعد علمية تضم تخصصات مختلفة ومتواصلة مع بعضها للعمل على اختراع واحد وتخصصات مختلفة وكلهم يعملون بشكل متكامل ومتجانس.

■ ماذا عن البحث العلمى فى الجامعات كيف تقيمه؟

- فى الجامعات هناك مشاكل كبيرة فى تجهيز المعامل، فلا توجد معامل مناسبة ولا أدوات بحثية ولا توجد قاعدة علمية نعتمد عليها، فهناك فردية فى البحث، وميزانية البحث العلمى بالأقسام العلمية بالجامعات لا تذكر، فميزانية البحث العلمى مثلا لقسم الكيمياء كلية العلوم حوالى 30 ألف جنيه والقسم به 100 أستاذ فكيف ينتجون وللأسف يتجهون لحاجة تبع أكاديمية البحث العلمى بتعطى منحا ولكنها بلا معايير واضحة، ولابد أن نؤكد حتى المنح يجب أن تنفق وتعطى وفق الأطر التى ذكرناها، ويجب أن يغدقوا فى البحث العلمى، يعنى ماينفعش أعطى لبحث مهم مليون جنيه وأنا فاكر إنى عملت معجزة لأن مليون جنيه يعنى أقل من 150 ألف دولار وجميع الأجهزة والمستلزمات وحتى حيوانات التجارب يتم استيرادها من الخارج.

■ هل تستطيع الدولة أن تتحمل هذا العبء بمفردها؟

- فى الخارج الدول لوحدها لا تتحمل تكاليف البحث العلمى، هناك شركات مؤسسات تساهم فى البحث العلمى، ففى بعض البلدان مثل الولايات المتحدة لا يقتصر البحث العلمى على الجامعات، فهناك مراكز بحوث مهمة داخل الشركات وتبرعات الأفراد والهبات وخلافة، وكله يصب لصالح البحث العلمى، لكن فى مصر الثقافة بتاعتنا محتاجة تغيير فليس لدينا ثقافة التبرع للبحث العلمى لأن عندنا ثقافة التبرع لبناء مسجد أو مستشفى أو مساعدة مريض، وإن كان فى بادرة ممتازة فى مؤسسة مصر الخير بسبب رئيسها الدكتور على جمعة والذى أفتى بجواز التبرع للبحث العلمى لأنه سيعود بفائدة على البشر، وهذه المؤسسة تساهم فى بعض الأبحاث عندنا شوية وعند الدكتور مجدى يعقوب ولكن مشاركات الأفراد مازالت لا تذكر.

■ ماذا عن دور رجال الأعمال فى دعم مجالات البحث العلمى؟

- علينا أولا أن نعرف من هم رجال الأعمال، فليس رجال الأعمال هم بتوع الاستيراد والتصدير وتسقيع الأراضى وبناء العقارات لكن المفهوم الصحيح لرجل الأعمال هو من يضيف على أرض الوطن مؤسسة أو مؤسسات لها قيمة مضافة فى الاقتصاد وليس إضافات استهلاكية، ولكن بعملية إنتاجية حقيقية ولها قيمة مضافة على أرض الوطن، ومن صحيفة «المصرى اليوم» ندعوا رجال الأعمال الحقيقيين باقتحام ودعم مجال البحث العلمى.

■ بصفتك عضوا باللجنة العلمية الاستشارية للرئيس هل عرضتم أى أفكار أو خطوات على الرئيس فى مجال البحث العلمى؟

- أولا إحنا مهمتنا أن نقدم أوراق عمل وأفكار لمؤسسة الرئاسة، وإذا اقتنعت مؤسسة الرئاسة بهذه الأفكار كلفت الجهاز التنفيذى بالعمل عليها، فنحن لسنا جهة تنفيذية وليس لنا شأن بالجهات التنفيذية.

■ هل قدمت أى أفكار جديدة للرئيس؟

- جار تقديم أفكار فى مجال التعليم العام والجامعى وتطوير المناهج وكذلك فى مجالات البحث العلمى.

■ ذكرت فى بداية الحديث أنه لا يمكن الفصل بين التعليم والبحث العلمى فما رأيك فى مستوى التعليم العام؟

- القاعدة الأساسية هى يجب أن تكتسب المعارف الأساسية بمنطق القرن الواحد والعشرين، وهو ما يستلزم تعليما أساسيا 12 سنة والفصل لا يزيد على 30 طالبا ومدرسا مؤهلا تأهيلا ممتازا، وأن تقوم كليات التربية بتغيير المفهوم الأساسى لتخريج المدرس وفق معايير تربوية وعلمية، فطلاب الآداب والعلوم وغيرهم يتوجهون لكليات التربية للحصول على مؤهل ليقوموا بالتعليم لعام دراسى لا يقل عن 42 أسبوعا، وكتب ومناهج توائم العصر من خلال المناهج وأسلوب كتابتها، بحيث تكون محببة للطالب، كيف أفسر أن هناك كتابا مدرسيا والطالب يشترى كتابا خارجيا يدرس فيه، هناك علم لكيفية عمل كتاب مدرسى مناسب، والطالب يخوض فيه بمفرده والمدرس يسهل له بس.

■ ما الحل من وجهة نظرك للنهوض بالتعليم؟

- إنشاء مفوضية عليا للتعليم تضع الخطط الاستراتيجية التى لا يجب أن يخرج عنها أى وزير تعليم، فقد عانينا كثيرا أن كل وزير ييجى يعمل فلسفة ومنهج واستراتيجية حسب أهوائه الشخصية، فوزير يقول الابتدائى خمس سنين وآخر يقول ستة وثالث الثانوية عامين ورابع سنة واحدة، هناك تخبط لذلك يجب أن تكون مهمة المفوضية العليا للتعليم وضع استراتيجيات ثابتة وملزمة لأى وزير، وعليها أن تجدد فيها وتغيرها وفق المعطيات والاحتياجات والتطور، وعليها أن تشرف أيضاً على وضع المناهج.

■ ما تقييمك لمناهج التعليم فى مصر؟

- أنا وأولادى تعلمنا فى مدارس حكومية وأعلم ما حدث من انحدار وتدهور فى التعليم، والمناهج التى لا تناسب العصر ولا العالم المفتوح حولنا، كما أنها مناهج عقيمة وجامدة لا تلبى احتياجات السوق ولا تشبع رغبات الطالب فى المعرفة وتعتمد على الحفظ، والمناهج فيها مجاملات.

■ ماذا عن التعليم الجامعى؟

- أسوأ من التعليم العام، إذ يتم قبول أعداد كبيرة من الطلبة بدون فائدة تذكر، وكتب جامعية وضيعة ومذكرات تعبانة وعدم تفرغ أعضاء هيئة التدريس، والدروس الخصوصية التى غزت الجامعة، فجميع الكليات، باستثناء كلية الزراعة، جميع الطلاب القادرين يحصلون على دروس فى كل المواد، وهذا انهيار كبير فى العلم، وبالتالى فى البحث العلمى، فهناك علاقة وثيقة بين التعليم والبحث العلمى، يضاف إلى ذلك استغلال النفوذ داخل الكليات فى النتائج النهائية للطلاب خاصة ما يعرف بأولاد أعضاء هيئة التدريس، مثل كليات الطب ومثيلاتها، وكلها إفرازات تؤدى لمزيد من انهيار التعليم الجامعى، والخلاصة هو الآن تعليم ردىء.

■ كيف ننقذ التعليم الجامعى وننهض به؟

- أبدأ من القبول فى الجامعات، يجب أن يحدث تناقص فى أعداد المقبولين للجامعات بحيث لا تزيد على 25% من خريجى التعليم العام وفق احتياجات السوق، ومن خلال امتحانات قبول لكل كلية ليدخل الطالب الكلية التى تناسب قدراته الذهنية.

ثانياً: لا يكون التعليم مجانيا بلا ضوابط، فالمجانية منحة يكفلها الدستور ولكن يدفعها دافع الضرائب، ويجب أن يكون استمرارها وفق أداء الطالب بالجامعة مش أقعد أصرف على طالب بيسقط بالسنتين والثلاثة وأقول مجانية ده كلام فارغ.

ثالثاً: تعيين أعضاء هيئة التدريس بعيداً عن الكوسة والمحسوبية ووفق إعلان مفتوح وضوابط علمية، وكذلك القيادات الجامعية من رؤساء الأقسام والعمداء ورؤساء الجامعات كلها إعلانات مفتوحة وضوابط علمية محددة، فنظاما التعيين والانتخاب فاشلان تمام وينتجان أسوأ العناصر.

■ أين سيذهب باقى نسبة 75% من طلاب التعليم العام؟

- أعوض تلك النسبة بأن نهاية التعليم الأساسى عند 12 سنة يجب أن يؤهل الحاصل عليه لخوض العمل العام مثل أعمال السكرتارية، بالإضافة إلى أن هناك حاجة أهم سقطت من مصر تماما وهى التعليم الفنى، والذى يجب أن يستوعب أعدادا كبيرة لنستفيد منها بالسوق، ويجب أن أوفر له الإنفاق اللازم، كما أن التعليم الفنى العالى هو أساس الصناعة فى اليابان، وهناك مصانع وشركات تستفيد منه، كان زمان اليونسكو ينفق على التعليم الفنى ويفرخ فنيين حقيقيين وأيدى عاملة مدربة لكن الآن لا يوجد تعليم فنى فى مصر.