لا أدرى لماذا تذكرت الدكتور أحمد شفيق- رحمه الله- حينما استمعت لأول مرة إلى (الدكتور) إبراهيم عبدالعاطى وهو يبشر المصريين بأنه قد اخترع جهازا يشخص ويشفى من الإصابة بفيروس «c»!!، ووجدت نفسى مدفوعا إلى المقارنة بين هاتين الشخصيتين!...
الدكتور أحمد شفيق- رحمه الله- لمن لا يعلم هو أستاذ جراحة الجهاز الهضمى بكلية طب قصر العينى، وقد حقق شهرة كبيرة فى ثمانينيات القرن الماضى.. وفى ظنى أن جزءا من تلك الشهرة كان يستحقها بالفعل، فقد نشر فى مجال تخصصه عددا من البحوث العلمية فى عدد من المجلات العلمية المحترمة، أهلته لأن يحصل على درجة الأستاذية فى نهاية المطاف، غير أن جانبا آخر من شهرته بين عامة الناس كان راجعا إلى التسويق الإعلامى، حيث كان ينفق من الوقت فى التردد على المنابر الإعلامية ربما ما لا يقل عما ينفقه على بحوثه العلمية!!...
إلى هنا والأمر مبرر ومشروع وسائغ، من وجهة نظر الكثيرين على الأقل، غير أن الطامة الكبرى حدثت عندما لم يقنع الدكتور بما حققه من نجاح مشروع فى مجال تخصصه، وقرر أن يحصد شهرة إعلامية عالمية فى غير هذا المجال، وكان الطريق السهل إلى تحقيق هذا الطموح هو أن يعلن من خلال منابر إعلامية عامة أنه قد توصل إلى علاج للإيدز!، وأن الاختبارات التى أجراها أثبتت أن هذا العلاج ناجح بنسبة تتراوح ما بين 90% و100% !! وعندما تصدى كاتبنا الكبير يوسف إدريس (وهو طبيب فى الأصل) لادعاءات الدكتور شفيق متسائلا أين ومتى أجرى اختباراته المزعومة؟، مع أن حالات الإصابة بالإيدز نادرة جدا فى مصر (كانت إذ ذاك كذلك بالفعل)!!...
يومها رد الدكتور شفيق بشكل غير مباشر من خلال المقابلات الإعلامية التى كانت تجرى معه حول اكتشافه (المذهل) بأنه أجرى الاختبارات التى أجراها فى الكونغو! وأنه أنجزها فى ستين يوما!!.. وأضاف أنه تقديرا منه للرئيس موبوتو الذى خصص له طائرة خاصة لتنقلاته فى الكونغو، وتقديرا منه للرئيس مبارك الذى يرعى العلم والعلماء فى مصر فقد أطلق على دوائه الجديد اسم m.m.1 (الأحرف الأولى من اسم مبارك وموبوتو!!)، وقد انقسمت الساحة الإعلامية يومها إلى فريقين: فريق من الإعلاميين والكتاب القادرين على التمييز بين ما ينتمى إلى البحث العلمى الحقيقى، وما ينتمى إلى العلم الزائف الذى ما هو فى جوهره إلا نوع من الدجل والمتاجرة بأحلام الناس، وفريق آخر من الإعلاميين المولعين بالتطبيل والتزمير لأى نجاح حقيقى أو وهمى، والتصدى لمن يحاول كشف الدجل والزيف بدعوى أن مثل هذه المحاولة لا يروج لها إلا حزب أعداء النجاح!!..
ثم كانت اللحظة الحاسمة التى افتضحت فيها ادعاءات الدكتور أحمد شفيق عندما طولب بأن ينشر تفاصيل دوائه فى إحدى المجلات العلمية المحترمة أو أن يقدم تركيب هذ الدواء إلى إحدى شركات الدواء لكى تقوم بتصنيعه على نطاق واسع، لكنه امتنع بدعوى خوفه من مافيات الدواء العالمية وخشيته من أن تعرف سر التركيبة وتستغلها لحسابها!!!
أعود إلى القول بأنى تذكرت الدكتور شفيق ودواءه الشهيرm.m.1، وأنا أستمع إلى عبدالعاطى، وجهازه الأشهر c.c.d.. وكذلك إلى (الدكاترة!) أعضاء (فريقه البحثى)!، وشككت شكا كبيرا فى أن أيا منهم حاصل على درجة الدكتوراه بالفعل، ونشرت يومها مقالا أعربت فيه عن تلك الشكوك، وموضحا أنه حتى لو ثبت حصول أى منهم على الدكتوراه فإن الشك فى هذه الحالة سوف ينصب على اللجنة التى منحته الدرجة وملابسات منحه إياها!، وفى هذه النقطة بالذات فإن المقارنة ظالمة بين شفيق وعبدالعاطى لأن الأول حاصل على الأستاذية فعلا وله بحوث نشرت فى مجلات علمية فى مجال تخصصه، قبل أن تنتابه الطفاسة ويطلب الشهرة من خلال طرق أبواب المنابر الإعلامية العامة، أما الثانى فقد ثبت أنه لم يلتحق بالجامعة أصلا!