تدوير النفايات

أسامة غريب الأربعاء 24-12-2014 21:04

البداية تأتى كل ليلة من خلال التليفون الذى يتلقاه الإعلامى الفالصو، والمكالمة تحدد له الموضوعات والمَحاور، وتختار له الضيوف المحببة استضافتهم للتعليق على الموضوع. بعد ذلك، يأخذ حضرة المذيع فى إطلاق وابل من كلامه الفارغ عبر الشاشة، فيصيب المشاهدين فى أعز ما يملكون (بقايا عقل).. والمشاهدون البسطاء معذورون، فجانب منهم حسن النية ولا يتخيل أن التليفزيون يمكن أن يكون مصدراً للهراء، وجانب آخر لم ينل القدر الكافى من التربية أو التعليم، بالضبط مثل حبيبهم صاحب المصطبة.

المهم أن الأخ الإعلامى يظل يحزق طوال الحلقة وتخرج منه الجمل ركيكة، غير مترابطة، معبرة عن سوء حالته الذهنية والفكرية.. فهل تنتهى القصة عند هذا الحد؟..لا.. تكملة القصة أن أهم ما قاله الإعلامى من تصريحات شائهة فى حلقته التعيسة يتحول إلى مانشيتات تنشرها الصحف فى طبعاتها الورقية والإلكترونية على السواء، أى أنه لا يُكتفى بالوجبة الليلية المسمومة التى طفّحوها للمشاهد، ولكن تعيد الصحف على الناس تصريحات وأقاويل ليس لها أى أهمية باعتبارها أخباراً طازجة، وقد ينشرونها مسبوقة بكلمة «عاجل» أو ورد تواً!..

وهذا بطبيعة الحال من شأنه أن يضع خطوطاً غليظة تحت الكلام الفارغ الذى قذف به مذيع الغبرة، تؤكد أهميته وضرورة تصديقه وترديده فى المجالس باعتباره يتضمن الخبر والحكمة والنكتة والرسالة الخفية!.. كل هذا رغم أن المذيع البائس لم يكن يقصد أى شىء سوى تنفيذ التعليمات من خلال قدراته المتواضعة على التوصيل، آملاً أن ينال رضا أصحاب الدكان.

وهنا يثور سؤال: ألا يمكن أن تتم الاستعانة بأشخاص متعلمين لديهم استعداد للقيام بنفس الدور ولكن بكفاءة أكبر؟ أشخاص يمكنهم ترديد كلام يبدو موزوناً، ولا يفهم خواءه إلا الخبراء. لماذا يصرون على الاستعانة بجهلاء، مع أن المتعلمين يضمّون بين صفوفهم أنذالاً يتمنون ربع فرصة من المُتاح للكواحيل؟ أعتقد أن الإجابة تكمن فى أن الجاهل مضمون ولاؤه أكثر، ذلك أنه لا فرصة لديه فى أى عصر آخر، على العكس من المتعلم الواطى الذى قد يتواءم مع أى أنظمة وأى ظروف!

نعود لتكملة المسلسل، إذ إن نشر التصريح الخطير للإعلامى الجبار بالصحف ليس نهاية المطاف، وإنما يأتى بعد ذلك دور وسائل التواصل الاجتماعى، التى تتلقف التصريح النميس فتضعه حياً كما هو على موقع يوتيوب.. يفعل ذلك المؤيدون والكارهون، فالأولون يضعونه كدليل على عظمة حبيبهم، ثم يملأونه باللايكات أو علامات الاستحسان، والآخرون يضعونه كعلامة على بؤس صاحبه وخيبته القوية..

ولا تفعل وسائل التواصل هذا فقط وإنما تظل تضرب فى العجين أكثر وأكثر، فتأتى بما نشرته الصحف فى ذات الصدد، وتعيد نشره وتدويره، إما بغرض المديح ونصرة صاحب العجين، وإما لتوبيخه وإهانته. يعنى بالصلاة على حضرة النبى يعيش الناس كل يوم هذه التمثيلية المملة بمراحلها الأربع، التى تبدأ بشخص جاهل يعتلى مصطبة ويقول كلاماً أجوف، ثم صحف تعيد الكلام الأجوف، وتويتر وفيس بوك يعيدان نشر الكلام الأجوف منقولاً من الصحيفة، ويوتيوب يحمل ذات التخاريف ويعيد نشرها، بالرغم من أنها ليست تصريحات لسعد زغلول أو حتى كريستيانو رونالدو، وإنما هى مجرد اجتهادات صادرة عن أحد الكواحيل.

لكن رغم كل شىء، فمن فوائد هذه العملية أنها توضح للناس المعنى الحقيقى لمصطلح «تدوير النفايات»، الذى قد يكون غامضاً بالنسبة لهم.