أشارت غالبية تحليلات الانخفاض الكبير لأسعار النفط إلى دور سعودي بارز في الإبقاء على التراجع، بهدف الضغط على إيران وتحجيم نفوذها الإقليمي. واستشهدت بمعارضة الرياض في منظمة «أوبك» اقتراح خفض الإنتاج لوقف تدهور الأسعار.
تبدو هذه القراءة منطقية لأسباب أبرزها أن تعدد ساحات المواجهة السعودية- الإيرانية إقليمياً، من العراق إلى اليمن مروراً بسوريا والبحرين، يجعل إضعاف القدرات المالية لطهران المعتمدة بشدة على النفط، أولوية للرياض.
وتُضاف إلى هذا مجموعة من الأهداف الأخرى، أهمها المصلحة الاقتصادية في خفض الأسعار لتقليل جدوى الاستثمار في قطاع النفط الصخري الصاعد الذي بات يهدد المنتجين التقليديين، وعلى رأسهم السعودية، وخفض أهمية نفط السوق السوداء الذي تبيعه أطراف غير رسمية مثل إقليم كردستان والفصائل المتقاتلة في ليبيا وتنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا، ورغبة الرياض في معاقبة موسكو على دعمها لنظام بشار الأسد، وهي الرغبة التي تلاقت مع المساعي الغربية لتحجيم فلاديمير بوتين بعد مغامرته الأوكرانية.
رواية الدور السعودي تدعمها أيضاً قدرة الرياض على امتصاص الآثار السلبية لانخفاض أسعار النفط على اقتصادها، بفضل الاحتياطي الكبير الذي راكمته خلال السنوات الماضية.
لكن استخدام أسعار النفط للضغط على إيران قد لا يكون له التأثير الذي ترغب به السعودية لثلاثة أسباب:
أولاً: اعتادت إيران التعامل مع تقلبات أسعار النفط تحت وطأة أكثر من ثلاثة عقود من العقوبات الاقتصادية الدولية والغربية. ويبدو اقتصادها في وضع أفضل حالاً مما كان عليه حين بدأ تطبيق «العقوبات الذكية» في 2012، خصوصاً بعد تعليق بعض العقوبات والإفراج عن دفعات من الأموال المجمدة بموجب اتفاق «خطة العمل المشترك» الذي توصلت إليه في محادثاتها النووية مع الدول الست العام الماضي. ويشير البنك الدولي في تقرير دوري عن إيران صدر في أكتوبر الماضي إلى أن «خطة العمل المشترك» أدت، ضمن عوامل أخرى، إلى انخفاض الضغوط التضخمية من 45 في المائة في يوليو 2013 إلى 15 في المائة في يوليو الماضي.
وقبل شهرين، اتفقت الدول الست مع إيران على تمديد تعليق العقوبات وصرف 700 مليون دولار شهرياً من الأموال المجمدة، ما يعني أن استمرار هذه الإجراءات قد يساعد، ولو جزئياً، على التخفيف من تأثير صدمة تراجع أسعار النفط.
ثانياً: حتى حين كانت الأزمات الاقتصادية السابقة تضغط على الالتزامات الداخلية للدولة، ظلت الالتزامات الإقليمية تجاه حلفاء إيران وتابعيها في المنطقة الأقل تضرراً. ومع التقدم الأخير في مفاوضات الملف النووي الإيراني، ستزداد حاجة طهران إلى أوراقها الإقليمية لتحسين وضعها التفاوضي، ما يرجح استمرار مبدأ منح الأولوية للالتزامات الخارجية. وإذا تعثر الوفاء بهذه الالتزامات عبر الموازنة الرسمية، فإن الموازنة الخاصة لمكتب المرشد الأعلى علي خامنئي تتولى العبء، كما حدث مع تمويل «حزب الله» اللبناني قبل شهور، بحسب تقارير.
ثالثاً: استمرار الضغوط الاقتصادية قد يحفز إيران على الإسراع بالتوصل إلى الاتفاق النووي مع الدول الست بحلول مهلة يونيو 2015 التي اتفق عليها الطرفان الشهر الماضي. ورغم أن الاتفاق يبدو ظاهرياً في مصلحة السعودية والمنطقة، باعتبار أنه سيبطل قنبلة موقوتة اسمها المشروع النووي الإيراني، فإنه سيعني في الوقت نفسه إضفاء شرعية دولية على دور طهران في الإقليم، وإن تغيّرت طبيعته.
كما ستوفر الفرص الاقتصادية التي سيكفلها الاتفاق، خصوصاً في قطاعي النفط والغاز اللذين تملك إيران منهما احتياطات ضخمة غير مستغلة، ورفع العقوبات والإفراج عن الأموال المجمدة- مزيداً من الموارد والأدوات لتقوية النفوذ الإقليمي لطهران في مواجهة السعودية وتمديده إلى مناطق لم تكن متاحة فيما مضى بسبب العقوبات.
في ضوء هذه المعطيات، تبدو نتائج المناورة السعودية للضغط على إيران بليّ ذراعها النفطية التي تحمل الموازنة، غير مضمونة، بل لا يُستبعد أن تأتي بعكس المراد منها.
تويتر: @mohamedhani