أعتقد أن الشعب المصرى، فى معظمه، استقبل برحابة صدر، حكم البراءة الذى صدر بحق الرئيس الأسبق حسنى مبارك أمس.
من جهةٍ، الشعب أدرك أن ٢٥ يناير ٢٠١١ لم تكن عملية بريئة فى معظمها، لم تكن مصرية خالصة. من جهة أخرى، اقتنع الشعب بأن مبارك لم يصدر أى تعليمات من قريب أو بعيد بقتل المتظاهرين. من جهة ثالثة، وبعد مرور نحو أربعة أعوام على هذه الأحداث أصبحت المشاعر طبيعية. عاد الشعب إلى طبيعته الطيبة، الأصيلة. طباع وتنشئة الشعب المصرى لا تقبل أبداً إهانة رجل بلغ هذا العمر. ما بالنا إذا كان هذا الرجل قدم معظم عمره فى خدمة الوطن، مدنياً وعسكرياً. هذه هى أصالة الشعب المصرى.
■ ■ ■
منذ اللحظة الأولى لمحاكمة الرجل كنت أرى أن هناك شيئاً ما خطأ. ليست هذه مصر. ليس هؤلاء المصريين. شعبنا لم يعدم رئيساً، كما حدث فى دول مجاورة. لم يقدم ملكاً للمقصلة، كما حدث أيضاً. لم ينتقم من رئيس، كما رأينا فى أقرب الدول. الانتقام والتشفى ليسا من شيم المصريين. بالتالى كانت المحاكمة فى حد ذاتها نوعاً من التشفى والانتقام. النهاية كان يجب أن تكون كذلك. كنت أشعر بالمهانة رغم أننى لم أكن من زمرته فى يوم من الأيام. ما حدث مع هذا الرئيس أخجلنى. على المستوى الشخصى.. القبول بما تعرض له كان إسقاطاً لجميع القيم الإنسانية، ستستمر معنا أجيالاً وأجيالاً. وتبرئته كانت تبرئة لضمير كثير من المصريين.
■ ■ ■
ما تجدر الإشارة إليه هو أن المحاكمة كانت فى مجملها راقية. قدمنا النموذج للعالم. قدمنا النموذج للنشء. القضاء كان شامخاً ومقنعاً طوال الوقت، بقيادة القاضى الجليل محمود كامل الرشيدى. هيئة الدفاع عن المتهمين ككل كانت مثالية بقيادة القدير فريد الديب. أهالى المتهمين، كما أهالى الضحايا كذلك، الأمن، الإعلام، ردود فعل الرأى العام. المحكمة فى النهاية تعاملت مع أوراق ومستندات وشهود، تعاملت مع ضميرها، المهنى والإنسانى.
■ ■ ■
الحكم كان إنصافاً من الظلم. لم يكن عفواً أو مبادرة كريمة من أى إنسان. فهل آن الأوان لبدء صفحة جديدة من الصفح والعفو بصفة عامة. صفحة جديدة من الاستقرار والهدوء. صفحة جديدة من العمل والإنتاج، من لم الشمل. لتكن مصر هى قاطرة الاستقرار فى المنطقة. لتكن النموذج. أم الدنيا بحق. قولاً وفعلاً. لم يعد المجال يتحمل تصفية حسابات من أى نوع. لم يعد هناك وقت للمهاترات. الكرة الآن فى ملعبنا جميعاً. لنطوِ هذه الصفحة.