لماذا صار اتحاد الكرة مصدراً للإحباط؟ والمنتخبات الوطنية بئراً من الهزائم والانكسارات لا تنضب، بعد الخروج المهين من التصفيات المؤهلة لجميع البطولات الأفريقية فى جميع المراحل: الناشئين، والشباب، وآخرها الفريق الأول؟ لماذا ظل نادى الزمالك مصدراً للإزعاج والتلوث البصرى والسمعى والأخلاقى، ومنبعاً لإثارة المعارك والخناقات والشتائم والسباب مع كل المؤسسات، حتى لم يبق إلا العراك مع الذباب الطائر؟
الإجابة ليست سهلة، والذهاب لتحميل رئيس المنظومة فى اتحاد الكرة والزمالك المسؤولية الكاملة أمر قد يريح العقل، لكنه لا يكشف حقيقة المشكلة، ولا يدقق فى طبيعة الظروف التى جاءت بهذين المجلسين فى هذه المرحلة المهمة من عمر البلاد، والتى نتطلع جميعاً فيها لإعادة بناء المؤسسات بما يحقق الشفافية ويرسى قيم المحاسبة والثواب والعقاب، فلا يعنى انتخابك على رأس مؤسسة رياضية نقل ملكيتها لأسرتك، والتحكم فيها كيفما تشاء، أو استخدمها لابتزاز الآخرين، أو تحقيق مصلحة خاصة، أو استثمارها فى الفوز بمكاسب فى مؤسسات أخرى، مثل الترشح لانتخابات مجلس الشعب، التى لم يكن جمال علام سيقترب منها لولا أنه جلس على مقعد رئاسة الاتحاد.
وحتى نفهم لماذا تحدث كل هذه الانتهاكات الرياضية والأخلاقية والنفسية، ثم لا نجد من نحاسبه أو نلومه، علينا أن نبحث العوامل وقوى الشر فى المجتمع، التى وضعت هذين المجلسين كى تبقى على مصالحها الخاصة ومكاسبها، ويظل هذا الشعب، وتلك البلاد، غارقة فى دائرة الفشل، لا تفرز من يصلح لإحداث نهضة حقيقية فى الرياضة أو غيرها من شؤون الحياة.
ولنبدأ باتحاد الكرة، الذى تتحكم سياساته وقراراته فى أهم وأكبر نشاط كروى، يرتبط به الملايين من عشاق اللعبة، الذين أصيبوا بالحزن والكآبة والضيق والقرف بعد الخروج المهين للمنتخب من التصفيات المؤهلة لبطولة كأس الأمم، لدرجة أننا لم نفلح فى أن ندخل كأحسن فريق ثالث فى مجموعتنا، كما لم نفلح فى استثمار تعاطف المنتخب التونسى، وأبينا إلا أن نخسر حتى نُتمَّ على الناس أحزانهم.
فأعضاء اتحاد الكرة لم يكن أحدهم، حتى لو بلغت أحلامه عنان السماء، يتخيل أنه سيجلس ليدير شؤون اللعبة، وليس خفياً على أحد أن أقصى طموح رئيس الاتحاد أن يظل رئيساً لمنطقة أسوان لكرة القدم، أما نائبه حسن فريد فلم يعد يستطع الدخول من بوابة نادى الترسانة، بعد أن هبط به لدورى المظاليم، وبالنسبة لقائمة الأعضاء فأحدهم كان رئيساً لنادى الحامول، وآخر لـ«مركز شباب البدرشين»، وثالث ظل يحارب من أجل تعيينه مدرباً مساعداً فى أى منتخب، لذا فإن أشد أعداء الكرة المصرية لم يكن سيأتى بهؤلاء لو قرأ سيرهم الذاتية، إلا واحداً فقط، ليس من الأعداء بل من الأصدقاء، وجد فيهم ضالته، ودفع بهم إلى الانتخابات، ودعمهم بكل ما يملكه من أدوات النظام البائد، الذى كان أحد نجومه فى الرياضة، إنه الصديق المهندس هانى أبوريدة، الذى حالت لوائح الانتخابات وظروف البلاد بعد ثورة ٢٥ يناير، حيث كان الإعلام والرأى العام فى أوج ثورته على رموز نظام مبارك، ولم يكن أمام أبوريدة إلا الهروب، والدفع بهؤلاء كستارة يدير من خلفها شؤون اللعبة، ويظل مسيطراً على مفاتيحها، فإذا أراد تعيين «شوقى» عيّن «شوقى»، بغض النظر عما إذا كان الأفضل أم لا، وإذا رغب فى تعاقد الاتحاد مع شركة بريزينتيشن (مجهولة الهوية المالية التى لم يسبق لها العمل فى الرياضة) تعاقد الاتحاد معها، وإذا طلب التضييق على الأهلى لكسر إدارته، التى لم تأت على هواه، ضيقوا على الأهلى، فاختياره لهذه المجموعة حقق هدفين: الأول تنفيذ المطلوب منها بالسمع والطاعة ودون مناقشة، والثانى غياب الطموح الشخصى لديها، وحتى إن وجد، فإمكانيات أعضاء المجموعة لن تساعدهم على الانقلاب والانفراد بالسلطة، ناهيك عن أنها لو فعلت لتحركت الخلايا النائمة داخل الاتحاد وبين أعضاء الجمعية العمومية وأسقطتها فوراً. وبالمناسبة فإن ما أقوله ليس خفياً على أحد، والناس تردده على المقاهى، ولا تسمع أحداً ينتقد شوقى غريب، إلا ويصب جام غضبه على هانى أبوريدة.
أقصد من هذا السرد والتفصيل أن أقول إن هذا المناخ الملبد بالغيوم والمؤامرات والستائر وعرائس الماريونيت وغياب الشخصية القيادية والقدرات الإدارية داخل الاتحاد من الطبيعى أن تفرز هذه الهزائم والفضائح والخسارة المادية والمعنوية، ويحبط الشعب فى أعز ما يحب، وهو كرة القدم، من هنا فالمشكلة ليست فى إقالة شوقى غريب أو تعيين مدرب وطنى أو أجنبى، المصيبة أن من يجلسون على مقاعدهم يديرون الاتحاد بالوكالة، وعن نفسى لا أرى فائدة من الضغط عليهم بالانتقاد أو اللوم، بل علينا أن نتوجه إليهم بالحديث، فى ظل غياب الدولة ورقابة وزير رياضتها عن مراقبة الأعمال المالية والإدارية «البزرميط» داخل الاتحاد، ومن قبيل المصالحة ومخاطبة الآخرين فى جوانب الخير فيهم، أن نتوجه لأبوريدة نفسه، ونطلب منه إذا كان يحب هذا البلد، وهذا عهدى به، أن يتدخل ويحل هذه المعضلة، ويطلب من أعضاء الاتحاد الاستقالة لنسرع فى انتخاب مجلس من وجوه مخلصة وكفاءات لبناء منظومة كروية محترمة ومحترفة.
ثانياً: أمَّا نادى الزمالك فإدارته جاءت فى ظروف مختلفة، حيث انتخب بعد ثورة ٣٠ يونيو، وقت أن كان المجتمع مرتبكاً بعد عزل نظام مستبد دينياً وسياسياً، قسم الناس وفرَّق بينهم وسعى لإثارة الفوضى بعد خلعه، ونجح الأعلى صوتاً والأكثر حيلة فى أن يستثمر حالة الارتباك لصالحه ولمصلحة جماعة النظام القديم، التى تريد أن تبقى الوضع مشتعلاً ومرتبكاً، وتفرض علينا، ونحن نتطلع لبناء دولة تحترم مواطنيها، ويحترم بعضهم بعضاً، شخصيات ملوثة للبيئة الاجتماعية بألفاظها وسبابها وإهانتها الآخرين بغير حجة أو دليل، وطعنها فى الأعراض بالأكاذيب، ولو أردتم التأكد مما أقول، راجعوا حالة الهدوء التى يعيشها الوسط الرياضى والمجتمع منذ اتخذ القائمون على شؤون الصحافة والإعلام قرارهم المحترم والحازم بمنع ظهوره، فإذا كان المجتمع الإعلامى نجح فى تحجيم هذه الظاهرة، يبقى السؤال قائماً: أين تقف الدولة الجديدة من هذه الكائنات؟ خاصة أن لديها من سجل المخالفات ما يعطيها المبرر القانونى لنزع ملكية الزمالك منه، والأدهى أن هناك من يساعده إما بالصمت أو بالدعم المالى من فلوس الدولة دونما دراسة، وللحق أقول إن وزارة الأوقاف الوحيدة التى لم يرهبها الصوت العالى، وحرب السيديهات، وحذرت بقطع اليد التى تمتد لاغتصاب أرضها داخل نادى الزمالك.
----------------
من الإنصاف تحية المدرب الإسبانى جاريدو على شجاعته وإصراره على لعب مباراة النصر فى الدورى قبل السفر للقاء سيوى سبور الإيفوارى فى نهائى الكونفدرالية، والتى فاز فيها بصعوبة بالغة، فقبل أيام من المباراة عرض عليه جهاز الكرة تأجيلها حرصاً على لاعبى الفريق، وهى الطلبات الاعتيادية التى كان يتقدم بها الأهلى قبل المباريات الحاسمة، خاصة أن الظروف هذه المرة مختلفة ومعقدة جداً، حيث لا يوجد فى قائمة الفريق المسموح لهم بالمشاركة فى النهائى خمسة عشر لاعباً، أى أقل بـ٣ لاعبين عن العدد المسموح به، ومن ثم فإن لعب مباراة النصر وإصابة أى لاعب يعد مخاطرة كبيرة، فى حين أن المشاركة بالفريق الاحتياطى بالكامل تحمل مجازفة، ربما تعرضه للخسارة، لكنه رفض طريقتنا فى التفكير، وتمسك برؤيته وعقليته الأوروبية، مؤكداً أن الفريق الكبير عليه أن يتعامل مع كل الظروف، وأن الاحتياطيين إذا لم يكونوا فى نفس مستوى الأساسيين، فلا داعى لبقائهم، كما أنه لا يفهم كيف له أن يطالب بتعديل جدول المسابقة، وأنه أياً كانت النتيجة، فستكون لها جوانب إيجابية، أهمها تحمل اللاعبين البدلاء مسؤوليتهم.
وظنى أن هذا المدرب بعقليته وشبابه وحماسه وخبرته وإصراره على النجاح سيُحدث فارقاً كبيراً فى الكرة المصرية، لأن إصلاحها يبدأ من الأهلى.