تقديرى للمخابرات العسكرية واعتذارى للصيادين الأبرياء

إبراهيم البحراوي الإثنين 24-11-2014 21:30

هذا المقال امتداد لمقال الثلاثاء الماضى المنشور تحت عنوان: «سيادة الرئيس: دعنى أحاور الإرهابيين كما حاورت الأسرى الإسرائيليين»، سأجيب هنا عن سؤال تلقيته من اثنين من الصفوة العلمية المصرية يقول لى: هل تعتقد أن هناك فائدة من محاورتك للإرهابيين؟. السائلان هما أستاذ الجراحة البارز الأستاذ الدكتور علاء عبدالله، الأستاذ بكلية الطب بجامعة عين شمس، والسفير اللامع سفيرنا الأسبق فى واشنطن السفير عبدالرؤوف الريدى.

قبل هذا يجب أن تكون لى وقفة أراها ضرورية لجهودنا ضد الإرهاب، ذلك أننى طلبت إذن الرئيس فى المقال السابق لمقابلة ومحاورة 32 إرهابياً، ذكرت المصادر الصحفية أنهم احتجزوا فى أعقاب جريمة العدوان على الزورق الحربى أمام دمياط، وأن بعضهم من المصريين وبعضهم أجانب.

لقد طالعت يوم الأربعاء الماضى التقرير الصحفى الممتاز الذى كتبته الصحفية صفاء صالح والذى نشر معززاً بالصور بالصفحة السادسة من «المصرى اليوم»، جاء التقرير لينبئنى بأن المخابرات العسكرية المصرية التى تتولى التحقيق مع الأفراد الذين تم القبض عليهم فى عرض البحر قد قامت بالإفراج عن 15 فرداً من مجموعة المحتجزين البالغ عددهم 32 فرداً.

كذلك أنبأنا التقرير الصحفى بأن جميع المقبوض عليهم هم من الصيادين من أهالى عزبة البرج بدمياط. إن هذه المعلومة الموثقة بصور بعض أهالى المفرج عنهم وصورة أصغر صياد واسمه محمد جمال فهمى تعنى بالنسبة لى معنى شديد الأهمية، المعنى هنا أن ضباط التحقيق يتمتعون بروح العدالة ويمتلكون مهارات البحث عن الحقيقة وأدواتها لدرجة أنهم أفرجوا بعد أربعة أيام فقط من التحقيق عن نصف الصيادين المحتجزين تقريباً دون تلكؤ أو مماطلة.

هنا أصارح القراء أننى أُكنُّ تقديراً خاصاً لمدرسة المخابرات العسكرية الفكرية التى سمحت لى عام 1967 بالمشاركة فى عمليات استجواب الأسرى الإسرائيليين، كما سمحت لى عام 1973 بمقابلة الأسرى بالسجن الحربى المصرى لدراسة مشاعرهم ومفاهيمهم حول قضايا الصراع والتسوية. إن قرار الإفراج عن 15 صياداً قد اتخذه ضباط، أيديهم ثابتة وقادرون على اتخاذ القرار الصحيح دون تردد.

إن هذه هى القدوة المطلوبة فى جميع قطاعات ومؤسسات الدولة إذا أردنا تقدماً سريعاً فى أوجه التنمية وعدالة ناجزة غير معوقة فى مجال الحقوق والواجبات. إن هذا القرار المحترم من المخابرات العسكرية يبدد كل الاتهامات ومحاولات التشكيك فى عدالة ونزاهة التحقيقات التى يتولاها محققون عسكريون. هو قرار يستحق الإشادة لتعميم القدوة الحسنة فى ربوع مصر.

أما اعتذارى لهؤلاء الصيادين الذين ثبتت براءتهم فهو أمر واجب علىَّ أيضاً هنا ليكون قدوة اجتماعية برد الاعتبار لأى برىء تحيط به الشبهات ثم تتأكد براءته. إن تقرير صفاء صالح فى «المصرى اليوم» يتضمن صورة لإحدى زوجات الصيادين المفرج عنهم وهى ترفع يديها للسماء باكية وشاكية من المعاملة التى لقيها أولادها فى المدرسة قبل الإفراج عن أبيهم.

تقول السيدة واسمها أم شهد: «قعدت أولادى من المدرسة لأن المدرسين شتموهم وقالوا لهم أهاليكم إرهابيين». إننى أطالب وزير التربية والتعليم بأن يوجه المدرسين فى جميع المدارس بعدم إهانة أى تلميذ لأى سبب، فنحن فى غنى عن تربية أشخاص يشعرون بالمهانة دون ذنب جنوه، كما أطالبه بأن يلزم المدرسين فى عزبة البرج بالاعتذار العلنى فى طابور المدرسة للتلاميذ الذين شتموا وأهينوا.

إن هذا التقدير للمخابرات العسكرية وهذا الاعتذار للصيادين الأبرياء لا يغيران من موقفى المطالب بضرورة القيام بدراسة حالة للإرهابيين الذين يسقطون فى أيدى السلطات ونتأكد من انتمائهم الإرهابى.

هنا أعود لسؤال الدكتور علاء عبدالله والسفير الريدى حول الفائدة المتوقعة من محاورة الإرهابيين. إننى فى حاجة إلى اختبار صحة عدد من الفرضيات المتداولة حول الدوافع التى تدفع بعض الشباب إلى النفور من الخطاب الدينى المعتدل وتلقى بهم فى حماس خلف الخطاب المتطرف لدرجة القيام بقتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، ولدرجة القيام بعمليات انتحارية. نحن فى حاجة إلى الإمساك بالمادة الفكرية المصنعة للإرهابى وهى فى حالة حية فى النفس الإنسانية، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق دون المقابلة الشخصية «inter view» والمحاورة.

إن الإمساك بهذه المادة الحية هو الذى يمكننا من وضع خطة تغلب الاعتدال على التطرف بمعالجة العوامل الواقعية المؤثرة على الشباب، إن لدىَّ عدداً من الافتراضات التى تحتاج إلى حسم بالدراسة الميدانية، الافتراض الأول يقول إن الفقر ومشاعر الحرمان الاقتصادى وافتقار الكرامة الإنسانية بالتالى عوامل تؤدى إلى تهيئة النفس للتطرف، الافتراض الثانى وقد لاحظه باحثون فى دول شبه الجزيرة العربية يبدو معاكساً للأول، حيث رصدوا أن معظم الشباب الذى يتطرف هناك من الطبقة الوسطى والطبقة الموسرة، وبالتالى فإن الحرمان الاقتصادى لا يكون الدافع فى هذه الحالة، إذن ما الدافع لدى هذه الطبقات الاجتماعية، هذا ما نحتاج لدراسته.

هناك افتراض ثالث بأن الانتصار للطائفة المذهبية هو الدافع، حيث نلاحظ أن بعض أهل السنة فى العراق وسوريا يحتضنون «داعش» ويعتبرونه عوناً لهم على الاضطهاد الشيعى والعلوى، وهناك افتراض رابع بأن بعض الشباب يبحث فى تجربة التطرف عن قضية رومانسية تتعلق بالدفاع عن المثل والعدالة، وهذا ما تعتمد عليه دعاية «داعش» وغيره، وهناك افتراض خامس يتعلق بعجزنا عن تحقيق الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطينى المغتصبة وهو أمر تستخدمه المنظمات الإرهابية لمداعبة طموحات الشباب.

وهناك افتراض سادس طرحه د. حسن حنفى بـ«المصرى اليوم» يرجع ميول التطرف إلى افتقاد الدولة الموحدة للمسلمين، أى الخلافة، القادرة على صد العدوان الغربى.

فى تقديرى أن منهج دراسة الحالة ومقابلة ومحاورة الإرهابيين أمور تمثل الطريقة الصحيحة لتحديد حجم كل افتراض فى تشكيل التطرف وإفراز الإرهاب، وبالتالى آليات المواجهة.