استيقظ ياسر فى الصباح سيئ المزاج إلى حد كبير. دورات مزاج ياسر صارت واضحة لكنه حتى الآن لم يلاحظها. معظم الناس لا يهتمون بملاحظة أنفسهم كما يهتمون برصد الآخرين.
تكاسل ياسر عن حلاقة ذقنه. لم يهتم بانتقاء الثياب وأغلق الباب وراءه فى ضيق، ثم ذهب إلى عمله كقنبلة منزوعة الفتيل تنتظر أحدهم كى تنفجر فيه.
عبر الطريق المزدحم بالسيارات. واستمع إلى أصوات الكلاكسات وهى تتشاتم كالبنى آدمين. كان الطريق مزدحماً والسيارات تزحف بصعوبة. وصل أخيراً إلى العمل متأخراً عن موعده المعتاد. ودعا فى داخله ألا يراه المدير. لكن دعواته فيما يبدو لم تكن مستجابة، إذ يجب أن تحملها إلى السماء أجنحة من رضا. لأن المدير شاهده بالفعل، وتوقف ليصافحه دون أن ينسى أن ينوّه إلى تأخره فى القدوم.
كان ممكناً للأمر أن يمر بسهولة ويغضى ياسر عن الملاحظة لولا مزاجه الردىء. قال للمدير فى حدة إنه استيقظ فى الوقت المعتاد وليس مسؤولاً عن ازدحام المرور. تكدر وجه المدير وقال له: «استيقظ قبل موعدك بساعة ووقتها لن تتأخر حتى لو ازدحم الطريق». استشاط غضباً وقال فى حدة: «ما الذى حدث فى العالم حين تأخرت بضع دقائق؟». رد المدير فى سخط: «لو تأخر كل موظف (وضغط على كلمة موظف) لفسد العمل». جن جنونه وقال: «وهل نسيت أننى كنت أبقى بعد ساعات العمل إذا كان هناك ما يتطلب؟». رد المدير فى برود: «لا تفعلها مرة أخرى وغادر فى موعدك ولكن احضر فى موعدك أيضاً».
ونظر إليه بكراهية. واندفع مغادراً كعاصفة. لم يقو على الجلوس وبدأ عمله المعتاد! إنه يُهان! وممن؟ من رجل فى نفس عمره! فهل نسى نفسه؟ أم يجهل من هو؟ هذا وضع لا يمكن القبول به.
مر الصباح حزيناً وملبداً. وكلما تذكر ما حدث أدرك ضرورة الاستقالة. صحيح أن فرص العمل صارت شحيحة! صحيح أنه بفرض وجد العمل لن يكون بمثل هذه المزايا! ولكن كرامته فوق كل اعتبار.
راح يحدق فى شاشة الكمبيوتر دون أن يرى ما هو مكتوب أمامه. وحتى لو صمت وابتلع الإهانة، فإن المدير لن يغفر له هذا الاشتباك. وفكر فى زوجته وأطفاله، وكيف سيكون وقع الخبر عليهم. شعر ياسر أنه لا يقوى على العمل، فغادر مكتبه عائداً إلى بيته.
شعر بالارتياح لمجرد دخوله البيت. وتحاشى أن يفكر فى الوضع الجديد. فليؤجله حتى يستيقظ من النوم ويصفو ذهنه. وبالفعل نام عدة ساعات استيقظ بعدها على ضجيج الأطفال وهم يعودون من المدرسة.
اعتدل فى فراشه وقد تذكر الأحداث الصاخبة. أعد لنفسه كوباً من الشاى وراح يحتسيه أمام التليفزيون. من العجيب أنه لا يشعر بالغضب، وأنه ينظر إلى الأمر بشكل جديد. لقد تأخر بضع دقائق وهذا مسموح به ولا يسبب مشكلة فى المعتاد! وتفكيره فى مغادرة العمل حمق ورد فعل صبيانى! والمدير يعامله فى العادة بود وتقدير. وملاحظته عن تأخره جاءت عابرة وبحكم مسؤوليات منصبه. فأى شيطان تملكه كاد أن يجعله يخرب بيته ويبعثر طمأنينته!
وما مرت بضع دقائق حتى رنَّ الهاتف المحمول. وقرأ على شاشته المضيئة اسم مديره فى العمل الذى اتصل ليطمئن عليه؟ واعتذر هو عن حدته فى الحديث، وعلى هذا النحو تبادلا الحديث الودود لدقائق، وانتهت المكالمة وهو يشعر بإحساس النجاة.