السادة بارونات وزارة الإسكان يعيشون معنا بالأجساد فقط، بينما العقول والوجدانات والسياسات هائمة عالياً فى عوالم أرستقراطية أخرى بعيدة عن مصر وحال ناسها.. هؤلاء «السادة» لا يدركون أن غالبية المصريين هم من محدودى الدخل، وأنهم بسياساتهم المستفزة يقتلون الانتماء ويقدمون دعماً مجانياً للإرهاب ومدداً كبيراً للعشوائيات، والأكواخ والعشش ومدن الصفيح وسكنى المقابر، تفريخاً للمزيد من الفقر والبؤس والحرمان والبؤر الإجرامية وإدمان وتجارة المخدرات والسلاح، وعمالة الأطفال، ودفعهم للشوارع، وغيرها من الأمراض الاجتماعية المرذولة.. فقد فتحت الوزارة، يوم الأحد الماضى، باب الحجز للمرحلة الأولى بمشروع «دار مصر»، الذى يضم 30 ألف وحدة سكنية موزعة على ثمانى مدن جديدة، بمساحات تتراوح بين 100 و147 متراً مربعاً، وبأسعار تبدأ للشقة ذات الـ100 متر، من 255 ألف جنيه بمدينتى بدر والسادات، وتصل إلى 390 ألف جنيه بمدينتى دمياط والقاهرة الجديدتين.. والأكثر استفزازاً أن الوزارة وصفت «رسمياً» هذه الوحدات بأنها مخصصة لمتوسطى الدخل، بما يعنى أننا صرنا شعباً من الأثرياء، وكأنه ليس لدينا 13 مليون شاب وفتاة وصلوا إلى سن 35 عاماً دون زواج، لعدم القدرة على توفير المتطلبات اللازمة، وأهمها السكن بطبيعة الحال، وينسى هؤلاء «العباقرة» أن بيننا نحو 16 مليون مواطن يسكنون 1228 منطقة عشوائية، يمثلون صداعاً اجتماعياً وأمنياً.. وغنى عن البيان أن العشوائيات نشأت بالتوازى مع تراجع دور الدولة منذ السبعينيات فى توفير الخدمات، ومنها الإسكان المناسب للدخول المنخفضة لغالبية أبناء هذا الشعب المطحون. وإدراكاً من الرئيس عبدالفتاح السيسى لهذه الاعتبارات، فقد سبق له، فى أغسطس الماضى، التشديد على الحكومة، بأهمية الحصر الدقيق للنمو السكانى ومعدلاته وما يستلزمه من احتياجات عمرانية مزودة بالمرافق كاملة، ومؤكداً أن ظهور ونمو العشوائيات كان نتاجاً لتخلف الدولة عن مسؤولياتها فى توفير هذه الاحتياجات، وهو ما دفع أيضاً إلى تعيين السيدة النشيطة الدكتورة ليلى إسكندر، وزيرة للتطوير الحضارى والعشوائيات، والتى تبذل جهوداً مخلصة لعلاج هذه المشكلة.. ولكن ماذا عساها تُجدِى، مادام أن بارونات وزارة الإسكان ماضون فى هذه السياسات التجارية المقيتة، على حساب الدور الخدمى الواجب، غير عابئين بما تسفر عنه سياساتهم من إشعال سوق العقارات، وسد المنافذ أمام شبابنا ومواطنينا للحياة الآدمية، ومن ثم الدفع بالمزيد منهم إلى هذه البؤر التى تمثل وجهاً بائساً وغير حضارى للدولة، مع زرع الحقد والكراهية فى نفوس الشباب، لشعورهم بالضياع والنبذ الاجتماعى، كما هو حال غالبية سكان العشوائيات، بما يجعلهم صيداً سهلاً لجماعات الإرهاب والدواعش.
نسأل الله السلامة لمصر.