الأهلى والزمالك بين عبدالناصر والسيسى

أسامة خليل الأربعاء 19-11-2014 21:38

من الخطأ النظر إلى الأهلى والزمالك باعتبارهما ناديين كبيرين مشهورين فى كرة القدم، فهذا التصنيف السهل يسقط عنا الشعور بالذنب أو الألم عندما ينهار أحدهما، أو يذهب كلاهما أدراج الرياح، ويظهر بديل لهما. فالأهلى والزمالك، كما أظن، جزء من النسيج الاجتماعى والنفسى والعاطفى للشعب المصرى فى المائة عام الماضية، هما مثل أم كلثوم وعبدالحليم ونجيب محفوظ والأوبرا والأشخاص والمعالم العظيمة التى شكلت وجدان الشعب، ومن ثم فإن اختفاء أحدهما أو اندثار الآخر أو تحطيم صورته وجنوحه نحو الانحراف عما خلق له، أو ما عرف به (وهو تحقيق البطولات وتفريخ النجوم الشعبيين لمحبى النادى) يعد عبثاً فى البنية الاجتماعية للوطن، الذى كان ينقسم كروياً بين تشجيع الأهلى أو الزمالك، فإذا اختفى أحدهما بات هناك خلل فى المزاج النفسى للناس، وتغير فى الخريطة الكروية المستقرة.

وقد أدرك الزعيم الراحل جمال عبدالناصر هذا البعد الاجتماعى المهم لناديى الأهلى والزمالك، وارتباط الشعب بهما، وتأثره النفسى بنتائجهما فى كرة القدم وغيرها من الألعاب، من هنا لم يترفع عن التدخل المباشر عام 1965 لإنقاذ الأهلى، الذى ساءت نتائجه مع بداية الستينيات، ووصل إلى ترتيب متأخر فى الدورى الممتاز ثلاث سنوات متتالية، وكان الأمر محور نقاش بين «عبدالناصر» والمشير عبدالحكيم عامر، وزير الحربية، انتهى بموافقة الرئيس على تعيين الفريق عبدالمحسن مرتجى رئيسا للأهلى لإنقاذه من عثرته. المشير يفعل ذلك وهو الزملكاوى المتعصب، الذى لم يتأخر فى إقامة معسكر مغلق فى إحدى دور القوات المسلحة لإعداد فريق الأهلى وصرف إعانة ثلاثة آلاف جنيه على أمل أن يستعيد عافيته.

وبصرف النظر عن التفاصيل التاريخية للواقعة، والاختلاف بين المؤرخين فيما يخص انشغال العسكريين بشؤون الكرة، فإن ما يهمنى هو نظرة «عبدالناصر» للأهلى، باعتبار أن استقراره وبقاءه فى المنافسة أمر يهم المزاج النفسى لقطاع كبير من الشعب الذى يحكمه، وبالتالى كان من المهم أن يتدخل بالشكل الذى يناسب العصر وقتها.

هذا ما يدفعنى لطرح السؤال، خاصة أن مجتمعنا أو قيادته السياسية تجتر هذه الأيام ذكريات الستينيات، وتسعى لشحن طاقة الشعب من أجل المشاركة فى بناء مجتمع حديث أو على الأقل كسر شرنقة السلبية التى يعيش فيها، فلماذا لا تتدخل القيادة السياسية لإنقاذ الزمالك من الانهيار الذى يعيشه منذ ثمانى سنوات، انتهت نهاية تراجيدية مؤلمة على يد مجلس الإدارة الحالى؟. وهنا ستبادرنى القيادة السياسية المتراخية بالسلبية وغض البصر، أو وزير رياضتها وشبابها، إذا كان يتابع ويقرأ، بالسؤال:هو الزمالك منهار؟ ولهؤلاء أقول: أيوه، صحيح، منهار أخلاقياً ورياضياً ومادياً واجتماعياً، وهذه أسبابى:

أولاً: لا أحد يحتاج إلى دليل أو برهان لإثبات انهياره الأخلاقى، فما عليك يا سيدى إلا أن تكتب فى محرك البحث «جوجل» عبارة «شتائم وسباب مسؤول الزمالك الكبير»، ستظهر لك فيديوهات لا تعد ولا تحصى، ولن تستطيع صبراً أو أدباً مشاهدتها وفيها من الألفاظ المسيئة والمحرمة بموجب القانون والأخلاق من أول الضرب بالجزمة، مروراً بـ«أمك وأبوك وأختك وأخوك»، ونهش أعراض وإهانة رموز تاريخية، وخوض فى ذمم مالية، حتى الموتى لم يسلموا من لسانه، وهو أمر ليس جديداً عليه، وكان هناك من يقبله فى السابق، لكن ما هو مزعج ومقلق ومثير للدهشة أن تتغاضى عنه الدولة الجديدة، التى تدعو الناس لقيم العمل والأخلاق والانتماء، وتطالب بتجديد الخطاب الدينى، وتنسى الخطاب الأخلاقى، وتترك مثل هؤلاء ينشرون الغوغائية، ويقسمون المجتمع، وينفرون الناس، ويحبطون أى أمل فى إصلاح حقيقى. وبالمناسبة، فهذا السوء انعكس على لاعبى فريق الكرة، ووجدنا منهم من يرفع الجزمة، ويسب الحكم فى مباراة أفريقية، ولا يجد من يحاسبه، فكيف للإدارة أن تفعل، وهى نفسها تمارس نفس الحماقات؟ فالصمت والسلبية عن مواجهة السفاهة والابتذال والابتزاز قبول ضمنى بهذا التلوث الأخلاقى والرياضى.

ثانياً: لا يخفى على أحد أن الزمالك منهار كروياً، فطوال ثمانى سنوات، لم يحصل سوى على بطولتى كأس، ما يعنى خللاً محتملاً فى التركيبة الاجتماعية لمشجعى الكرة، لأن الاستمرار فى الهزائم يهدد باندثار جماهيرية النادى العظيم، وهنا أذكر واقعتين تشيران إلى ما أقصده: الأولى للصديق الصحفى والإعلامى البارز، إبراهيم عيسى، وهو أحد عشاق الزمالك، ومحبيه الكاثوليك، إذا صح التعبير، الذى لم يرض الغبن والقهر لابنه، ودفعه دفعاً لتشجيع الأهلى، مبرراً ذلك بأن تشجيع الأحمر يبث فيه روح العزيمة والانتصار فى كل شؤون حياته، بينما الزمالك سيدفعه للانهزامية والانكسار، والثانية لصديقنا الصحفى والإعلامى الهادئ، عمرو خفاجى، الذى لا يقل هوساً وحباً للزمالك عن جمهور الدرجة الثالثة، لكنه بات مقتنعاً بأن مصير مشجعى هذا النادى هو نفسه مصير جماهير الترسانة التى اندثرت، والقليل الباقى على قيد الحياة، يجلس على مقاهى المعاشات يسترجع أيام الزمن الجميل لفريق الشواكيش.

من هنا فإن القيادة السياسية لا تحتاج إلى علماء اجتماع وباحثين فى علم النفس ليقولوا لها إن الزمالك جزء مهم من التركيبة النفسية والاجتماعية لأبناء الوطن، ومن الخطأ أن يترك للعابثين والمتهورين والغوغائيين.

ثالثاً: ما قد يخفى على الناس أيضا أن الزمالك منهار اقتصادياً، وديونه تقترب من ٣٠٠ مليون جنيه، لم يسدد مجلس الإدارة مليما واحدا منها، بل أضاف إليها أعباء أخرى، ولم نسمع له عن موازنة وخطة للخروج من هذه الأزمة، عكس الأهلى، الذى يواجه نفس المشكلة، لكنه نجح فى ٦ أشهر فى سداد ٣٠٪ من المديونية البالغة ١٥٠ مليونا.الغريب أن الزمالك الذى لم يحصل سوى على بطولتى كأس فى ثمانى سنوات، صرف على قطاع الكرة خلال هذه الفترة ٤٢٥ مليون جنيه، ولديه مديونية فى هذا القطاع وحده، تقدر بـ١٩٥ مليون جنيه، وهى أرقام من واقع الميزانية حتى ٣٠ يونيو 2013.

رابعاً: لا أفهم كيف للنظام الجديد أن يدعو الشباب للمشاركة والعمل والاندماج فى مجتمع يسوده العدل والحق، بينما يترك مسؤول الزمالك يدفع نحو استفزاز قطاع منهم، وتعميم خطأ أو جرائم بعضهم، ليتحول كل من يخالفه الرأى إلى إرهابى أو إخوانى، ويعقد المشكلة بين النظام الجديد والشباب، فالألتراس والوايت نايتس قطاع من الشباب هرب من مجتمعه فى مرحلة سابقة واتخذ من تشجيع الكرة هوية ومقصداً وراية يتجمع خلفها ويسير تحت لوائها، ومن الخطأ أن تترك الدولة معالجة هذه الأزمة فى يد شخص متهور وأرعن تشاركه بعض أجهزة الدولة الرخوة فى هذه المسرحية الهزلية التى يدفع ثمنها المجتمع بكامله وليس قطاع الكرة وحدها.

وأمام هذه الأزمات الكروية والمالية والأخلاقية التى يعيشها الزمالك، أرى أن الدولة الجديدة رخوة فى التعامل مع مشكلة هذا النادى الكبير، بل يتملق كبار مسؤوليها من يديره، ويتهربون من مواجهته، وليس أدل على ذلك ما حدث فى اجتماع وزيرى الداخلية والشباب والرياضة، فى حضور كبار قيادات الوزارتين مع اتحاد الكرة والأندية الجماهيرية، لمناقشة عودة الجماهير، حيث أفسد مسؤول الزمالك الاجتماع، وتحدث بأسلوب لم يملك وزير الداخلية إزاءه إلا الانسحاب، مع التنبيه على الحاضرين بعدم ذكر ما حدث، فهروب مسؤولى الدولة من مواجهة هذا الإسفاف فى الحوار يعنى قبولهم باستمرار الظاهرة، وعندما يخرج رئيس الوزراء متمنياً المصالحة بين نقابة الصحفيين ومسؤول الزمالك، وإعلانه أنه لن يدخل طرفاً فى الصراع، فهذا تأكيد على أن الدولة ما زالت ضعيفة فى مواجهة الخارجين على القانون والأخلاق. فالصحفيون لا يحاربون من أجل قضيتهم وحدهم، بل من أجل وطن يريد أن يتخلص من السفهاء والحمقى ومفسدى الذوق والأخلاق العامة.

■ ■ ■

أجمل تعليق سمعته معبراً بسخرية عن حجم المأساة التى تعيشها الكرة المصرية على يد المجاهيل الذين يديرونها، أن شوقى غريب، المدير الفنى للمنتخب، جدد الثقة فى مجلس إدارة اتحاد الكرة حتى عام ٢٠١٨، وهو تعليق يكشف بدقة حقيقة الحال، فإقالة شوقى غريب أو تعيين آخر ليست بيد عرائس الماريونيت التى يحركها بطل الملهاة التى نعيشها، المهندس هانى أبوريدة، الذى أتمنى صادقاً أن يجلس على المقعد حتى نجد من نحاسبه، ومصيبتنا ليست فقط فى المدرب، بل فى اتحاد المجاهيل (جميع أعضائه جاءوا من أندية الدرجتين الثانية والثالثة) الذى قاد منتخبات الناشئين والشباب والمنتخب الأول لعروض مخزية وخروج مؤسف من جميع المشاركات القارية.

فـ«الملوخية الكروية» من صنع «الشيف هانى»، الذى قال فى حوار تليفزيونى مع الزميل، مجدى الجلاد، قبل أيام، إنه يحب دخول المطبخ، ويجيد طهى «الملوخية الخضرا»، ولا ينقصها سوى (شهقة الطشة)، وهذا غالباً سبب أزمتنا الكروية: غياب الشهقة عن طشة الملوخية التى تطفحها جماهير الكرة من يد «الشيف أبوريدة».