إذا كان للإخوة السلفيين أن يسلّموا بشىء، فهذا الشىء هو أن انحيازهم إلى عموم الشعب، فى 03 يونيو 3102، ووجودهم فى أثناء صياغة خريطة الطريق المعلنة فى 3 يوليو من العام نفسه، وحضورهم فى خلال إعداد تلك الخريطة، ثم خلال إعلانها على الناس.. كل ذلك كان انحيازاً خالصاً منهم، كما نظن، إلى وطن، وإلى بلد، وليس إلى سلطة، ولا كان سعياً وراء غنيمة لاحقة.
بالتالى، فليس لمن يفعل شيئاً من أجل بلده، بشكل مجرد، أن يأتى فى مرحلة تالية، ليطلب ثمن ما فعل، أو بمعنى آخر يطلب ثمن انحيازه للوطن، كما يبدو الأمر فی حالة الإخوة السلفيين فى أيامنا هذه!
أقول هذا، لأن المتابع لما يدور منذ فترة، ولايزال، بين وزارة الأوقاف من جانب، والسلفيين من جانب آخر حول أحقيتهم فى الصعود إلى منابر الجمعة، سوف يشعر منذ الوهلة الأولى بأنهم يريدون الصعود إلى المنبر، ليس لأن هذا هو حقهم الذى يقره القانون، ولكن لأن هذا هو «الثمن» الذى يرونه مناسباً لما كان منهم، فى وقت ثورة 03 يونيو، ثم فى وقت 3 يوليو.
لا.. فالموقف منكم ومن غيركم هناك، كان لأجل وجه البلد وحده، و لم يكن أى مصرى وطنى مخلص فى وطنيته يملك وقتها إلا أن ينحاز إلى إرادة المصريين فى عمومهم، وإلا أن يقر بخريطة الطريق، وإلا أن يعترف بها، وإلا أن يباركها مباركة كاملة.
ذلك موقف يظل محسوباً فى الرصيد الوطنى لكل الذين اتخذوه، وكل الذين بادروا إليه، وليس للسلفيين وحدهم بطبيعة الحال، ولذلك فإن الواحد منا يربأ بأى قيادة سلفية أن تأتى الآن، ثم تحاول التلميح من بعيد أو من قريب، إلى أن صعوده وصعود زملائه إلى المنبر ما هو إلا «ثمن» على الدولة أن تمنحه لهم، لقاء ما كان منهم فى السابق!
لا.. مرة أخرى.. فما هكذا يكون الذين يخلصون الانحياز إلى بلدهم، وما هكذا يكون الوقوف فى صف الوطن، وفى صف أرضه، ثم فى صف وجوده وكيانه نفسه، ولا يليق بمن اتخذ موقفاً وطنياً من ذلك النوع أن يأتى اليوم أو فى أى وقت، ثم يطلب ثمنه.. لا يليق!
ثم إن موضوع صعود منابر المساجد محكوم بقرار صدر بقانون من الرئيس السابق عدلى منصور، وهو قانون ينظم العملية من أولها إلى آخرها، ولا تفعل الأوقاف فى الوقت الحالى شيئاً، سوى أنها تطبق قانوناً صدر بقرار من رئيس الدولة.
وما نتوقعه من كل سلفى، فى مثل هذه الحالة، أن يقر بالقانون وأن يخضع له، شأنه شأن غيره، وأن يلتزم به، وأن يكون صادقاً مع نفسه ومعنا فى التزامه، لا أن يكون التزاماً شكلياً نُفاجأ بالتحايل عليه، وبتفريغه من مضمونه عند كل اختبار!
أيها السلفيون: الناس يرونكم أنقى من الإخوان بكثير، وأصدق بمراحل، ويرونكم راغبين عن حق فى العمل بمبادئ ديننا السمح، وبمقاصده العليا، لا بالتجارة بها كما كان الإخوان يفعلون طوال تاريخهم، ولايزالون بكل أسف.. فلا تخيبوا ظن الناس فيكم، واجعلوا أملهم فيكم فى محله، وفى مكانه تماماً.