الاختيار الموفق: فايزة أبوالنجا

عبد اللطيف المناوي الأربعاء 12-11-2014 21:29

تابعت فايزة أبوالنجا منذ فترة طويلة، عندما كانت تشغل منصب وزيرة التعاون الدولى فى مرحلة مبارك، بدت السيدة ذات الملامح الهادئة و«الشياكة» الملحوظة والابتسامة الوقورة التى لا تفارق وجهها مشروع مسؤول قابل للترقى لتحمل مسؤوليات أكبر. كنت ألتقيها صدفة فى بعض حفلات الأوبرا بالقاهرة، عرفت عنها قبل أن أعرفها، وذلك عندما زرت عدداً من الدول الأفريقية والعربية، وسمعت عما لها من مكانة فى نفوس المسؤولين هناك. تمكنت السيدة ذات المزيج من الملامح المصرية والثقافة الأوروبية أن تكسب قلوب وعقول هؤلاء الذين التقتهم فى جولاتها وزياراتها واجتماعاتها مع هؤلاء المسؤولين. أجمع من تحدث عنها على امتلاكها مزيجاً من قوة الشخصية والحسم مع القدر الكبير من الفهم والتفاهم والقدرة على الاحتواء والجدل الإيجابى.

عرفتها بعد ذلك عن قرب وقت المجلس العسكرى، وفى هذه المرحلة سمحت الظروف والتحديات أن تظهر السيدة إمكاناتها وقدرتها على التعامل مع المواقف المختلفة. سمعت أكثر من مرة على لسان عدد من أعضاء المجلس العسكرى،عندما كانت تشغل منصبها الوزارى الذى حافظت عليه بعد نهاية حكم مبارك، أنها «أرجل» وزير فى الوزارة، ولو أن الظروف كانت مختلفة لكانت الأصلح لتولى رئاسة الحكومة. فى هذه المرحلة عرفتها عن قرب وتابعتها من زاوية مختلفة، وأثبتت بالفعل ما يقال عنها وما كنت ألمحه عن بعد. حرصها على حل الأمور العالقة كان كبيراً، ووضعت نصب عينيها دائماً المصلحة الوطنية مع عدم التعدى على مصالح الآخرين. ردود الفعل على اختيار فايزة أبوالنجا مستشارا لشؤون الأمن القومى للرئيس السيسى تعددت، منها ما اعتبر هذا الموقف تحديا للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بسبب موقف أبوالنجا من مسألة منظمات المجتمع المدنى التى تسببت وقتها فى أزمة بين مصر وأمريكا وقت المجلس العسكرى، كانت أبوالنجا واضحة فى انتقاد السلوك الأمريكى والغربى فى تخطى هذه الدول للدولة المصرية وتقديم الدعم المادى غير المحدود لهذه المنظمات بهدف تقويض الدولة المصرية، هذا الموقف لم يعجب الأمريكيين، وأذكر وقت تشكيل الحكومة الأخيرة عندما قال لى مسؤول أمريكى مداعبا: «أى تشكيل للحكومة سيكون مرضيا لنا طالما أن فايزة أبوالنجا ليست فيه»، إلى هذا الحد كان موقفهم منها. هذا الاختيار من الرئيس السيسى اعتبره البعض تحديا للأمريكان، ولكن الرد هنا بسيط، فعلاقات الدول أكثر نضجا من التوقف عند هذه الملاحظات، وإلا كان لمصر أن تسأل فى المقابل: ولماذا لا تغير الإدارة الأمريكية سوزان رايس صاحبة المواقف المتشددة تجاه مصر؟

كذلك فإن من يتوقع أن وجود أبوالنجا يعنى عصرا سيئا لمنظمات المجتمع المدنى هو أيضا مخطئ، لأن ما يحكم علاقة الدول بالمنظمات العاملة فيها هو القانون، وطالما احترمت هذه المنظمات القواعد القانونية للدولة فلن تكون هناك مشكلة. وبالتالى فإن هذه المنظمات القلقة لا ينبغى لها أن تقلق طالما احترمت سيادة البلد وقانونه، فالعمل الأهلى هو قاطرة تطوير المجتمع مع عدم السماح بالاختراقات التى تهدد الأمن القومى.

فى تقديرى الشخصى فإن اختيار الرئيس السيسى لأبوالنجا فى موقع مستشار الأمن القومى هو أفضل اختياراته حتى الآن، وأتمنى أن يستكمل فريقه الفاعل- الذى هو فى حاجة حقيقية له- على نفس المستوى فى مختلف التخصصات. أيضا هذا الاختيار يوسع مفهوم الأمن القومى لدى القيادة والناس، فالأمن القومى ليس مجرد أمن الحدود لكنه يبدأ من طابور الخبز. هذا الفهم المتطور والاختيار الموفق يزيد من مساحة الأمل.