قادتنى سلسلة من المصادفات لأن أكون، يوم الأحد الماضى، فى قلب ميدان كاتالونيا بمدينة برشلونة.. فى نفس الوقت الذى وقف فيه الآلاف من سكان المدينة يشاركون فى استفتاء رمزى على استقلال كاتالونيا عن إسبانيا.. كان يوما استثنائيا فى تاريخ برشلونة وكل إقليم كاتالونيا، رغم أنه لم يكن استفتاء رسميا بعدما أعلن القضاء الإسبانى عدم دستورية إجراء أى استفتاء بشأن استقلال كاتالونيا.. فقرر زعماء كاتالونيا إقامة هذا الاستفتاء الرمزى الذى ليس هناك هدف منه إلا تأكيد رغبة الناس هنا فى الانفصال عن مدريد وحكومتها.. وبين فناجين القهوة والمشاوير الطويلة بين ميدان كاتالونيا وميدان إسبانيا وأمام كنيسة الساجرادا فاميليا بدأت أسأل كثيرين جدا عن هذا الاستفتاء وضرورته وقيمته ومعناه.. وعلى الرغم من اختلاف من سألتهم ثقافيا وسياسيا واجتماعيا، إلا أن جميعهم قالوا نفس الرأى ونفس الإجابة التى كنت أراها فى أعينهم أكثر وأدق وأعمق من مفرداتهم وأصواتهم.. وكانت نظراتهم وإجاباتهم هى نفس نظرة وإجابة نجم نادى برشلونة الكبير والشهير.. تشافى هيرنانديز.. حين التقيت به فى اليوم التالى داخل صالة كبار الزوار أمام مقصورة الكامب نو فى نادى برشلونة.
وأثناء حوار طويل معه عن السياسة وكرة القدم والتاريخ والمعنى السياسى لبرشلونة قال لى تشافى إنهم لم يكونوا يريدون أى شىء إلا أن يسمعهم العالم.. قال لى أيضا إنه شارك فى استفتاء الأحد وقال نعم للانفصال رغم أنه لن يكون هناك انفصال بحكم القضاء والسياسة والواقع أيضا.. ولم يكن تشافى فقط هو الذى ذهب وشارك فى الاستفتاء.. فقد ذهب أيضا رئيس النادى السابق روسيل ومدرب الفريق وأحد نجومه الكبار جوارديولا.. وكان المعنى الذى توقفت أمامه طويلا وربما الدرس المهم الذى يتعين علينا كلنا فى مصر أن نتعلمه من برشلونة هو كيف نقول لا.. كيف نعارض ونرفض ونغضب دون أن يكون ذلك كله مبررا أو سببا لأذى أو موت أى أحد.. فالناس حولى فى الشوارع والميادين والمقاهى كانوا- ولايزالون- يرفضون التنازل عن حلمهم الجماعى القديم والدائم بالانفصال عن إسبانيا وتأسيس دولة كاتالونيا المستقلة.. ورغم ذلك لم يمسك أحد بحجر يلقيه فى وجه أى أحد من الرافضين للانفصال أو أى ضابط شرطة أو الجيش الإسبانى، الذى عزز وجوده فى برشلونة وحولها قبل استفتاء الأحد.. لم يقم أى أحد بحرق علم إسبانيا التى يريدون الانفصال عنها أو حاول اقتحام وتخريب أى مبنى يرفع علم إسبانيا ويتبع الحكومة المركزية فى مدريد.. والأهم من ذلك أن الحياة لم تتوقف.. ولم يتغير أى شىء فى برشلونة، وبقى الناس يجيئون ويروحون دون أن يدركوا أنهم فى مدينة مسكونة بالحزن والأسى والأحلام المذبوحة.. لا أحد هناك يفسد الحياة لمجرد أنها ليست كما كان يشتهى ويتمنى.. وأعود مرة أخرى لتشافى هيرنانديز متذكرا عبارته البليغة لى حين قال إنه عرف منذ البداية برشلونة ستبقى مدينة إسبانية وسيبقى ناديها أيضا.. لكنه حلم باستقلالها وسيبقى يحلم مهما كان ومهما جرى.