أعلنت جماعة «أنصار بيت المقدس»، الاثنين، مبايعتها رسميًا لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، ليصبح للأخير بهذه المبايعة لأميره أبوبكر البغدادي، وجود رسمي وفعلي على أرض مصر، تحديدًا شبه جزيرة سيناء، التي تمثل نقطة تمركز «أنصار بيت المقدس»، وقاعدة انطلاقها في عملياتها التي بدأت بالتفجير، ووصلت إلى قطع رؤوس المدنيين.
«أنصار بيت المقدس»، التي ترفع العلم الأسود «راية الجهاد» تشبهًا بالمدرسة الأم والأشهر تنظيم «القاعدة»، أصبحت جماعة معروفة على نطاق إعلامي واسع منذ 2011، العام الذي شهد انطلاقها بصورة عملية في شمال سيناء، بارتكاب العديد من العمليات، وذلك بعد انحسار الضوء عن «التوحيد والجهاد» بعد مقتل مؤسسها طبيب الأسنان خالد مساعدي.
وعلى الرغم من أن هذه الجماعة الصادر بحقها حكم قضائي إبريل 2014 باعتبارها جماعة إرهابية، ومن قبلها «التوحيد والجهاد» وغيرهما من الجماعات الجهادية، نتاج لفكر السلفية الجهادية وتابعتين على الأقل فكريًا لتنظيم «القاعدة»، إلا أن «أنصار بيت المقدس» أصبحت الأشهر والأنشط، خلال العامين الأخيرين، بين جماعات جهادية أخرى مثل «جند الإسلام» و«أكناف بيت المقدس»، بعد تنفيذها عمليات اختلفت على مستوى الهدف والآلية، كما توضح السطور المقبلة.
إسرائيل وخط الغاز.. نقطة البداية
على مدار عامين تقريبًا، ارتكبت «أنصار بيت المقدس» ما يناهز 40 عملية، وتبدلت في فترة قصيرة أهدافها من مصالح ومواقع إسرائيلية إلى مصرية، ومن استهداف جنود بالرصاص والتفجيرات، إلى مدنيين تقطع رؤوسهم، فيما يبدو وكأنه تقليد منها لـ«داعش»، ولي أمرها الجديد.
كانت بداية «أنصار بيت المقدس» ببث فيديو لعملية تفجير خط توريد الغاز لإسرائيل، إبريل 2011، لتعلن بذلك مسؤوليتها عن الحادث، وهو الأمر الذي حمل في طياته إعلانًا موازيًا من الجماعة رسميًا عن وجودها، الذي باركه وقتها زعيم تنظيم «القاعدة»، أيمن الظواهري، وكذلك عن عدوها، إسرائيل، الذي تواصلت عملياتها ضدها بقصفها منتجع إيلات بصاروخين «جراد»، أغسطس 2011.
عاودت «أنصار بيت المقدس» بعد ذلك، في النصف الأول من عام 2012، تنفيذ سلسلة من التفجيرات لخط الغاز، بلغ عدد مراتها 14، في وقت واجهت فيه القوات المسلحة بعمليتي «نسر 1» و«نسر 2» الجماعة، التي سرعان ما غيّرت هدفها وعدوها.
من تفخيخ المنشآت لقطع الرؤوس
تمثل الهدف الجديد لـ«أنصار بيت المقدس»، وبعد فترة سكون ناهزت عاما كاملا منذ النصف الثاني من 2012، في الجنود المصريين التابعين للقوات المسلحة أو للشرطة على حد سواء، كما اتسع النطاق الجغرافي لعملها ليضم بجانب سيناء، محافظات أخرى على رأسها القاهرة والمنصورة والسويس.
وكانت العودة للساحة مرة أخرى قوية وشرسة من الجماعة، في أعقاب عزل محمد مرسي وفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، حيث أعلنت «أنصار بيت المقدس» في 19 أغسطس 2013، مسؤوليتها عن «مذبحة رفح الثانية»، والتي راح ضحيتها 25 شهيدًا من جنود الأمن المركزي، لتتصاعد وتيرة عنف «أنصار بيت المقدس»، وتستهدف بعد أقل من شهر من هذه المذبحة، المسؤول الأول عن وزارة الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، بمحاولة اغتيال فاشلة في 5 سبتمبر 2013.
وتوالت بعد «مذبحة رفح» ومحاولة اغتيال «إبراهيم» عمليات الجماعة، التي تركزت على استهداف العسكريين ورجال الشرطة، فكان أن هاجم عناصر «بيت المقدس» مديرية أمن جنوب سيناء بسيارة مفخخة، 7 أكتوبر 2013، ليتكرر الهجوم بعدها بأقل من أسبوعين، تحديدًا 19 أكتوبر 2013، لكن هذه المرة لمكتب المخابرات الحربية بالإسماعيلية، الذي استهدفته الجماعة بالطريقة نفسها، سيارة مفخخة.
بعد استهداف المقار الشرطية، انتقلت «أنصار بيت المقدس» لمرحلة أخرى، حينما أعلنت في 19 نوفمبر 2013، مسؤوليتها عن قتل المقدم محمد مبروك، المسؤول عن ملف الإخوان في جهاز الأمن الوطني، ووصفت وقتها عملية قتله بـ«المباركة»، لتعاود مرة أخرى استهداف المنشآت بتفجير مديرية أمن الدقهلية، أواخر ديسمبر 2013، بسيارة مفخخة، ما أسفر عن استشهاد 16، وإصابة 132.
لم يكد يمر شهر على تفجير المنصورة، حتى استهدفت «أنصار بيت المقدس» مديرية أمن القاهرة 24 يناير 2014، قبل حلول الذكرى الثالثة للثورة بيوم واحد، ما أسفر عن استشهاد 4 وإصابة 80، بجانب تدمير أجزاء كبيرة من مقر المديرية والمتحف الإسلامي، في عملية لم تكن كافية للجماعة، التي نفذت صبيحة اليوم التالي، 25 يناير، سلسلة عمليات في القاهرة والمحافظات، كان منها «تفجير محيط معهد مندوبي الشرطة بحي عين شمس، ومعسكر أمن بالشيخ زويد، وآخر بالسويس».
في مطلع فبراير الماضي، عادت الجماعة لاستهداف إسرائيل مرة أخرى، بإعلانها إطلاق صاروخ على إيلات، إلا أن القوات الإسرائيلية أعلنت اعتراض مساره وتدميره، فما كان من «أنصار بيت المقدس» إلا العودة للملعب المحلي باستهداف أتوبيس سياحي في طابا، 17 فبراير الماضي، بهجوم خلّف 3 قتلى كوريين.
بعد ثلاثة أشهر من الانقطاع عن العمليات، أعلنت «أنصار بيت المقدس» في 28 يونيو الماضي، مسؤوليتها عن قتل 4 جنود أثناء عودتهم من إجازة لمعسكرهم. بعدها بشهر، 21 يوليو الماضي، تبنت الجماعة حادث «كمين الفرافرة»، الذي أسفر عن استشهاد 21 جنديًا وإصابة 4 آخرين من قوات الجيش، في عودة منها للعمليات ذات الخسائر الفادحة للخصم.
تكررت على مدار العامين عمليات الجماعة التي تنوع هدفها بين إسرائيل وجنود الجيش والشرطة، إلى أن كان الاختلاف الأبرز لها على مستوى الهدف وآلية التنفيذ، في 20 أغسطس الماضي، الذي أعلنت فيه، عبر فيديو لها، أن هدفها قد يكون مدنيًا وقد تقتله بطريقة غير الرصاص والتفجير، وهو ما كان منها بقطع رؤوس 4 مواطنين من سيناء، اتهمتهم بـ«العمالة لصالح إسرائيل»، في محاكاة لأسلوب «داعش».
«أنصار بيت المقدس»، هي الجماعة التي رأى فيها البعض حليفًا لجماعة الإخوان المسلمين، خاصة في ظل توقف عملياتها الإرهابية منذ تولي الرئيس المعزول مرسي السلطة منتصف 2012، بل منهم من اعتبرها «ذراعًا عسكرية» للإخوان، في ظل سلسلة عملياتها بعد رحيل مرسي عن السلطة وفض اعتصام أنصاره، كما أنها الجماعة نفسها التي ترى في الإخوان «لا يطبقون شرع الله»، وأخيرًا هي نفسها الجماعة التي أعلنت اليوم الولاء لأكثر التنظيمات الإرهابية تطرفًا وخطورة الآن، بحسب سياسيين ومحللين، «داعش».