رحلة البحث عن أموال مبارك ونظامه

مي عزام الإثنين 03-11-2014 21:20

طالعت خبر سفر وفد يضم وزير العدل محفوظ صابر والنائب العام المستشار هشام بركات، وعددا من القضاة إلى سويسرا- باهتمام بالغ، فالوفد سيذهب لجنيف لحضور المنتدى الثالث لاسترداد الأموال المهربة والذى بدأ السبت الماضى.

وزير العدل قبل سفره صرح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، بأن هناك أملا كبيرا في استعادة أموال نظام مبارك المهربة للخارج والتى مازالت إجراءاتها تتسم بالبطء وتواجه العديد من التحديات، من خلال المنتدى الذي يسعى لتذليل العقبات التي تواجه الدول في هذا المجال، بما يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

هدف الوفد عرض مسودة لقانون يتيح لمصر استرداد الأموال المهربة في الخارج، وتجنب اشتراط صدور أحكام نهائية لاستردادها، والاعتماد على التحقيق فيها من الجانب السويسرى، وسيقدم الوفد طلبا للتحفظ على أموال المتهمين في قضايا الفساد لحين صدور حكم نهائي.

لم يحدد وزير العدل ولا الوفد المرافق له أسماء من يسعى وراء التحفظ على أموالهم وهل منهم مبارك وأسرته أم أنه خرج من زمرة الفاسدين الذين هربوا أموال مصر إلى الخارج، وخاصة بعض خروج عدد من رموز نظام مبارك من السجن .

ومازلت أذكر الأرقام الفلكية التي قيلت بعد الثورة عن ثروة مبارك المهربة للخارج، وكانت النيابة العامة السويسرية، قد قدرت أمواله في بنوك سويسرا بـ700 مليون فرنك، لكن المحكمة الجزائية الفيدرالية السويسرية في مدينة بلينزونا أصدرت قرارا في ديسمبر عام 2012 برفض منح مصر الحق في الاطلاع على ملف أموال الرئيس السابق حسنى مبارك بسبب حالة عدم الاستقرار في مصر (في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي)، الأمور معلقة في سويسرا على صدور حكم نهائى من المحاكم المصرية يدين مبارك ورجاله في تهم الفساد وتهريب الأموال.

مازلنا ندورفى نفس الدوائر المغلقة، ومازال الشعب يبحث عن أجوبة لتساؤلاته فلا يجد إلا إشاعات غير موثقة لدى وسائل الإعلام الأجنبية أو مصادر مجهولة الهوية، فيضطر إلى الاستماع إليها وترديدها، مقولاتها في غياب الشفافية من قبل أجهزة الدولة .

منذ 3 سنوات كتبت مقالا عن صعوبة الوصول لأموال مبارك ورجاله، ومازلت مقتنعة بذلك، إلا أن يكون قد جد جديد جعل هناك أملا ذهب في رحلة وزير العدل والوفد المرافق له، واتمنى أن يقدموا للشارع المصرى تقريراعن نتائج رحلتهم وحضورهم المنتدى لعلها بشرة خير .

اسمحوا لى أن أعيد نشر مقالى في «المصرى اليوم» الصادر يوم الأربعاء الموافق 5 أكتوبر 2011 للتذكرة بتفاصيل تغيب عنا في هذه اللحظة:

أموال «مبارك» في الـ«أوف شور»

بعد نجاح ثورة يناير وتعالي أصوات الشعب مطالبة باسترداد الأموال التي نهبها النظام السابق ومحاولة استرجاعها، قال لى مسؤول أمنى سابق إن ثروة مبارك لن تعود، ولن يتوصل أحد لشىء في هذا الموضوع، لأن الفلوس دخلت المتاهة، وعندما استفسرت عن قصده بكلمة المتاهة، ذكر لى الكثير من الألاعيب والحيل التي يتم استخدامها لإخفاء مصدر وجهة هذه الأموال، وبات واضحا بالنسبة لى أن هناك مافيا عالمية على أعلى مستوى اقتصادى وتقنى تخصصت في تهريب هذه الأموال وإدخالها في مؤسسات وصناديق استثمار يصعب تتبعها، وأن هناك مكتباً في سويسرا يقوم بهذه المهمة وعملاؤه من الأثرياء حول العالم، فهو لا يقبل من تقل ثروته عن مليار دولار، ومهمة هذا المكتب هي إخفاء الأموال، وأضاف المصدر الأمنى قائلا: «كان هناك شخص من قبل هذا المكتب يأتى سنويا لمصر ويقيم في مناطق آمنة، حيث يجرى هذ العمليات المالية لآل مبارك وآخرين».

في الأيام القليلة الماضية تحدث عدد من الصحف عن «علية البندارى» ليس بصفتها رئيس حركة «سوزان مبارك للمرأة والسلام» لكن باعتبارها موضع ثقة آل مبارك وصديقة شخصية لـ«سوزان»، ومن الأشخاص الذين ساعدوا في غسيل أموال «مبارك» وإخفائها عن طريق المنظمة التي كانت مجرد واجهة لتهريب أموال الأسرة وعدد من الشخصيات السياسية المهمة الأخرى. و«علية»، إن صح الاتهام الموجه إليها، مجرد قطعة من لوحة البازل المخيفة التي كتب عنها باستفاضة الصحفى البريطانى نيكولاس شاكسون، وبعد سلسلة من تحقيقاته الاستقصائية المميزة، أصدر كتابا ترجمته الدكتورة فاطمة نصر بعنوان «خرجت ولن تعود.. مافيا إخفاء الأموال المنهوبة»، ويبحث الكتاب وراء الشخصيات والعواصم التي تخصصت في إدارة هذه اللعبة الجهنمية المعروفة باسم «أوف شور» أو«الملاذات الآمنة»، وهى المناطق التي يتم فيها توفير السرية الكاملة وتسهيل الهروب من القواعد المالية المتعارف عليها، ولذلك تكون عادة عبارة عن أماكن وجزر صغيرة تابعة لهيمنة دول كبرى، هذه الملاذات الآمنة توفر لكل من يريد إخفاء أمواله واجهة شرعية، لذلك يصعب الوصول لأصول الأموال ومودعيها عن طريق دورات مالية يستعصى على غير الخبراء الماليين والمصرفيين فهمها، حيث يتم تدويل الأموال وتهريبها وإدماجها في استثمارات مشروعة وصناديق مالية تدار بسرية، ففى ظل العولمة لم يعد للأشخاص وجود، مجرد أرقام حسابات وأموال يتم تدويرها وهو ما تنبأ به الاقتصادى الإنجليزى الراحل ماينارد كينز وحذر من مغبته حين قال: «بعد المسافة بين الملكية والعملية المالية شر في العلاقات بين البشر، ومن المرجح على المدى البعيد أن يؤدى ذلك لتوترات تتسبب في الإخفاق التام للحسابات المالية».

الملاذات الآمنة أو عالم الـ«أوف شور» يمر من خلاله نصف الأصول المصرفية وثلث الاستثمارات الأجنبية للشركات متعددة الجنسية، ولقد قدر صندوق النقد الدولى في عام ٢٠١٠ أن الميزانيات العمومية لجزر المراكز المالية الصغيرة تبلغ ١٨ تريليون دولار، أي ما يساوى ثلث مجمل الناتج المحلى للعالم بأكمله، كما ذكر مكتب المساءلة الحكومى للولايات المتحدة في تقرير له عام ٢٠٠٨ أن ٨٣ من أكبر مائة شركة أمريكية لها أفرع في الملاذات الآمنة.

وتستخدم الملاذات الآمنة كأداة من أدوات السيطرة على مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها، وكذلك في الفساد السياسى في الدول الغربية التي تتباهى بالديمقراطية، ويوضح «شاكسون» في كتابه مثالاً على ذلك بما حدث في الجابون، وهى إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة وكيف تعاون رئيسها السابق «عمر بونجو» ومن بعده نجله «على» مع الشركات الفرنسية وأعطاها الأولوية في كل عقود البترول الكبرى، وكان جزء من هذه الأرباح يذهب بطرق سرية لسياسيين فرنسيين ويساهم في الإنفاق على الحملات الانتخابية الفرنسية للأحزاب اليمينية.

الكتاب يظهر مدى فساد النظام المصرفى والمالى العالمى والمغالاة في الربا وهو ما يؤدى للسيطرة على الفقراء لصالح الأغنياء، ويثير المخاوف من صعوبة الوصول للأموال المنهوبة منا ومن غيرنا من الشعوب، وليس أمامنا إلا أن نحتسب فلوسنا عند الله».

أنتهى المقال وأدعو الله أن تسترجع مصر على الأقل جزءا من أموالها المنهوبة، طاقة أمل في لحظة تراكم فيها الاحباط واليأس.

مى عزام

ektebly@hotmail.com