إصلاحُ عقليّة التكفير أهمُّ من قتل التكفيريين!

أنور الهواري الجمعة 31-10-2014 21:33

التكفير عقليّة وليس شخصيّة. لو قتلنا ألف تكفيرى اليوم، سوف يولد- مكانهم- عشرة آلاف تكفيرى غداً. يوم كتب سيّد قطب لاهوت التكفير الأشهر «معالم فى الطريق» كان التكفيريون المصريون بضع مئات فى سجون عبدالناصر، اليوم، وبعد خمسين عاماً من كتابة ذاك الكتاب، فإن التكفيريين يملأون ما بين مشرق الكون ومغربه، لهم حضورٌ نافذٌ ولهم نشاطٌ غامرٌ فى كل بلدان العروبة والإسلام.

التكفيرى لم يولد تكفيرياً. ولدته أمُّه إنساناً طبيعياً. كان فى يوم من الأيام طفلاً بريئاً، وكان- فى مُقتبل عُمره- شاباً يبتسمُ للحياة. لم ننتبه له إلا وهو يحملُ السلاح يقتُلُنا به، فقرّرنا الرّد عليه بقتله.

التكفيرى نحنُ صنعناه. فراغٌ نحنُ تركناه. امتلأ الفراغ بفكرة خاطئة، ثم انتهى بسلاح مصوّب إلى صُدورنا.

ليس هذا المقال نقداً فى سلبيّة الأزهر الشريف الذى أصبحت نفقاتُه من الخزائن العامّة تتفوق بكثير على فوائده فى الحياة العامة، مشايخ وأساتذة وجامعة وجوامع ومعاهد وكليات، بيروقراطية دينية ضخمة، والمحصلة: خواءٌ دينىٌ كبيرٌ.

وليس هذا المقالُ نقداً فى سياسات الدولة- خلال عقود طويلة- ألجأت قطاعات من النّاس للاحتماء بُجدران التكفير، فلم تُتح الدولةُ لهم بديلاً غير الكُفر بها، ثُم الكُفر بكل شىء فى هذا الوجود.

وليس هذا المقالُ نقداً فى سياسات التعليم المصرى، الذى أفقد الأجيال ذكاءها الفطرى وهدم مناعتها العقلية، وتركها نهباً مُستباحاً لفوضى فكرية، ترتدُّ بنا إلى الخلف أحقاباً بعيدة.

ليس هذا المقال نقداً لمؤسسات التربية: الأسرة، المدرسة، الإعلام، دور العبادة، مؤسسات الرياضة، صناعة السينما، صناعة النشر، مؤسسات التثقيف، فكلها تعرضت- هى الأخرى- لتحولات عاصفة، أفقدتها التوازن، وحادت بها عن دورها فى بناء الشخصية، وفى صناعة الوجدان العام، وفى تحرير العقل العام من أغلال الانكفاء التعيس.

تبدأُ هذه التعاسةُ العقليّةُ وهذا البؤسُ الوجدانى من التصور الخاطئ عن العالم. يكفى سيد قُطب أن يبدأ سُطوره فى لاهوت التكفير، باعتقاده الجازم أن: «البشرية تقفُ اليوم على حافّة الهاويّة، لا بسبب التهديد بالفناء المُعلّق على رأسها، فهذا عرَضٌ للمرض وليس هو المرض، ولكن بسبب إفلاسها فى عالم (القيم)، فالديمقراطيةُ الغربية انتهت إلى ما يُشبه الإفلاس، والاشتراكية انتهت إلى ما يشبه الإفلاس، ولابُد من قيادة للبشرية جديدة، والإسلامُ- وحده- هو الذى يملك القيادة، وجاء دور (الأمة المسلمة)، لتُخرج البشرية من الظلمات إلى النور». انتهى الاقتباس من مقدمة «معالم فى الطريق».

لا يعترضُ مؤمنٌ على عنوان: «لا إله إلا الله منهج حياة»، ولكن تحت هذا العنوان الجميل تكتشف أن «لا إله إلا الله» عند سيد قُطب قد تحولت إلى منهج تكفير، وإلى نظرية فى الحرب الشاملة والصراع العبثى المسلح الذى تراه حولك فى كل بلاد الإسلام.

فقد كفّر المجتمعات التى كانت شيوعية وذكر أسباب تكفيرها، ثم كفّر المجتمعات الرأسمالية وأرفق معها أسباب تكفيرها، ثم تجول على الشعوب الأفريقية والآسيوية وشدد على وثنيتها وكفرها، وبعد أن طاف بالكُرة الأرضية انتهى به الحال، ليتفرّغ لتكفير الأمة الإسلامية، بمزاج، وروقان، وإسهاب، وتفصيل، وبعبارات تنطوى على احتقار شديد وازدراء صريح.

يقول سيد قُطب: «وأخيراً، يدخُل فى إطار المُجتمع الجاهلى تلك المُجتمعات التى تزعُمُ لنفسها أنها (مُسلمة)». انتهى الاقتباس. ثم أسهب- بعد ذلك- فى تفصيل اللائحة التنفيذية لهذا الكفر الجماعى لعموم المسلمين فى أنحاء الأرض.

سيد قُطب أُعلن فوزُه برئاسة مصر فى 24 يونيو 2012م، ودخل القصر الرئاسى، وحكم مصر 12 شهراً كاملة، ثم هو الآن يُحاربُ مصر الكافرة، من الوادى والدلتا فى القلب، من سيناء فى الشرق، من ليبيا فى الغرب.

التكفيرُ حالةٌ عقليةٌ قبل أن تتحول إلى حالة حربية مُسلحة.