الوصول إلى منطقة كرم القواديس، بشمال سيناء، التي شهدت الحادث الإرهابى، ضد جنود القوات المسلحة، في تلك الظروف التي تمر بها المحافظة، يعد مخاطرة كبيرة، فقوات الأمن تقوم بإغلاق الطرق المؤدية إلى موقع الحادث، تماماً، وتفتيش السيارات العابرة يتم بدقة لمعرفة مستقليها، ويتم السماح فقط لقاطنى المنطقة بالتحرك، فيما يمنع الغرباء من الدخول للمنطقة، بجانب التفتيش الدقيق للسيارات والاطلاع على هويات العابرين على تلك الطرق، للتأكد من عدم تورطهم في أي قضايا، بجانب ضبط المشتبه بهم، ونقلهم للجهات الأمنية للتحرى عنهم.
وحتى يتمكن فريق «المصرى اليوم» من الوصول للمنطقة، تركنا السيارة التي كنا نستقلها بعيداً، وترجلنا لمسافة 4 كيلومترات حتى وصلنا إلى موقع الحادث الإرهابى.
يقع تجمع كرم القواديس بزمام قرية أبولفيته، إحدى قرى الشيخ زويد، وذلك حسب قرار المحافظ رقم 1044 لسنة 1992، وهو ضمن 10 تجمعات تابعة للقرية الأم «كرم القواديس- المراشدة- أبومراغ- العجرة- الحوص- العويضات السبطة- المنطار-الجميعى- العرمه»، ويبعد التجمع عن قرية الخروبة 8 كيلومترات، وعن قرية الطويل نحو 4 كيلومترات.
وتؤدى 4 طرق رئيسية إلى كرم القواديس، وهى طرق «الخروبة- كرم القواديس» و«الطويل- كرم القواديس» و«كرم القواديس- الشيخ زويد» و«كرم القواديس- أبولفيته»، ويقطنها عدة عائلات من قبيلة السواركة.
للوهلة الأولى تحولت المنطقة إلى منطقة تسكنها الأشباح، فعلى مداد البصر لا تشاهد أحداً، فمعظم قاطنيها التزموا بيوتهم، أو غادروها خوفاً من الملاحقات الأمنية والعناصر المسلحة على حد سواء، والمنازل بسيطة للغاية معظمها مبنى بالطوب وحوله عشش للضيافة وأحواش كبيرة ومزارع متناثرة، والحالة الاقتصادية لأهالى القرية متوسطة، فمعظمهم مزارعون، غير عدد قليل ممن نالوا قسطًا من التعليم فهم موظفون بالدوائر الحكومية.
في موقع التفجير الذي طال كمين كرم القواديس، والذى يقع على مفترق عدة طرق، توجد حفر كبيرة بالأرض نتيجة قوة التفجيرات التي هزت المكان، تلك الحفر بوسط الطريق، أدت إلى تكسيره وإحداث حفرة بعمق ومحيط كبيرين، لدرجة عدم تمكن السيارات من العبور بعد تكسر الطريق الأسفلتى.
وتظهر بمكان التفجير وعلى محيط واسع بقايا من مهمات وملابس واحتياجات المجندين الضحايا، بالرغم من إخلاء الكمين وسحب المدرعات المتعطبة ونقل جميع جثث الشهداء والمصابين للمستشفيات المختلفة بالعريش والقاهرة، كما تظهر بموقع التفجير بقايا السيارة التي انفجرت بالمكان.
بالوقوف على أطلال الموقع الذي تم استهدافه، ظهر أحد المواطنين، وتشجع وحضر إلى الموقع، حيث قال لنا بعد طلب عدم ذكر اسمه، لدواع أمنية وقبلية، إنه كان بمنزله القريب من موقع الحادث، وفجأة بعد صلاة الجمعة وقع تفجير هائل، فاستطلع الأمر، فوجد دخاناً كثيفاً بموقع التفجير وجنوداً يهرولون في كل مكان، ثم دوى إطلاق نار من أسلحة ثقيلة تبعته عدة انفجارات متتالية حدثت كلها خلال ربع ساعة، ليسود المكان هدوء قاتل بعدها.
وأضاف: «توالت بعد ذلك عدة انفجارات لعبوات ناسفة جرى زرعها بالطريق المؤدى إلى الكمين مستهدفة مدرعات الجيش، لتندلع اشتباكات كبيرة بين قوات الدعم والمسلحين والذى يقدر عددهم بـ15 شخصاً، وكانوا يستقلون سيارات دفع رباعى مثبت عليها مدافع نصف بوصة ودراجات نارية، ثم وقع انفجار آخر قرب سيارة إسعاف، وانفجار ثالث قرب مدرعة تحمل عدداً من الجنود المصابين».
وأضاف شاهد العيان، أن جنوداً وضباطاً من أفراد الكمين وقوات الدعم حاولوا تطويق المهاجمين، الذين قاموا بإطلاق النار عليهم على مقربة من الكمين، لدرايتهم الكاملة بالمكان، مشيراً إلى أن المهاجمين كانوا يرتدون ملابس مموهة وملثمين ويطلقون صيحات «الله أكبر» مع كل تفجير يقع.
وأكد شاهد العيان أن تبادل إطلاق النار حدث بين الجنود والإرهابيين أوقع عدداً منهم ما بين قتيل ومصاب وجريح تم سحبهم من الموقع بسيارة لاند كروزر، وفرت تجاه الجنوب، فيما انتهت المعركة بين أفراد الكمين والإرهابيين وساد هدوء غريب على المكان، وانسحب الإرهابيون مستقلين سيارات الدفع الرباعى والدراجات البخارية رافعين رايات سوداء مكتوباً عليها «لا إله إلا الله محمد رسول الله».
وقال الشاهد إن المسلحين قاموا بتنظيم مسيرة بعد الحادث على الطرق القريبة من موقع الحادث، وبعد ظهور الطائرات الحربية، التي بدأت بقصف عدة أهداف، اختفت تلك العناصر تماماً.
وأضاف الشاهد أن المواطنين بالمنطقة قاموا بنقل عدد من الجنود للمستشفى بسياراتهم الخاصة، بعد أن ألبسوهم الملابس البدوية، خوفاً من استهدافهم من قبل العناصر المسلحة.
وحذرنا الشاهد ونحن نغادر المكان من وجود غرباء يظهرون فجأة بعد انتهاء الحملات الأمنية التي تقوم بها قوات الجيش، ويحومون حول موقع الحادث لاستطلاع الأمر، مؤكداً أنه قام برصد مجموعة غريبة عن المنطقة منذ عدة أيام تجلس فوق تبة عالية مواجهة للكمين، مرجحاً أنهم هم من قاموا برصد الموقع ووضع خطة الهجوم.
وطالب شاهد العيان قوات الجيش بضبط المتورطين في الحادث، وتقديمهم إلى المحاكمة، لأنهم أثاروا الذعر بين المواطنين وعاثوا في الأرض فساداً، مشيراً إلى أن المواطنين البسطاء يدعمون قوات الجيش، وعدم إعلان ذلك خوفاً على حياتهم من المسلحين.