لا تقربوا الصلاة!

فاطمة ناعوت الأحد 19-10-2014 21:25

بوسعكَ أن تقول فى لقاء تليفزيونى: «سيدنا إبراهيم عليه السلام ليس نبيًّا، وفقط، بل هو أبو الأنبياء. وهو لا يخصُّ الإسلامَ، وفقط، إنما يخصُّ الرسالات السماوية الثلاث».

تقول هذا وأنت مطمئن أن كلامك ذاك لا يختلف عليه اثنان، وأنك تخاطبُ ملايين من قرّائك الذين يجيدون «فنَّ القراءة» ويتقنون «فنَّ الإصغاء» والتأمل والتدبّر، لأن اللهَ قد أمرنا بإعمال العقل بأفعال أمرٍ مباشرة فى الكتاب: «اقرأ- تدبّروا- تبيّنوا- تفكّروا- تيقّنوا....».

تعود بيتك وتنام قريرَ العين، بعدما تسأل اللهَ العفوَ والعافية، فتصحو صباح الغد على الدنيا وقد انقلبت فوق رأسك: عقيدتُك يُشكَّكُ فيها! شرفُك يُخاضُ فيه! واسمُك، الذى تعبت عقودًا فى صنعه ناصعًا نظيفًا، وقد أصبح مُضغةً تُلاكُ فى الأفواه!

لماذا كلُّ هذا؟! لأن مواقعَ ارتزاقية، وصحفًا صفراوية، وجماعاتٍ ربعاوية، ولِجانًا إلكترونية، وميليشيات إخوانية، قد تناقلت جميعُها خبرًا واحدًا مُغريًا شيّقًا «مفرقعًا» كتبه، فى لحظة تجلٍّ و«مخمخة» وإبداع، صحفىٌّ «شريفٌ» «محترمٌ» «صدوقٌ» «أمينٌ» أقسم على ميثاق الشرف الصحفى الذى ينصُّ بندُه الأول على: «الالتزام فيما ينشره بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق»!

وما الخبر؟ أن جنابك قلتَ: «سيدنا إبراهيم ليس نبيًّا، ولا يخص الإسلام». أراك تبتسمُ! ابتسمْ كما ابتسمتُ أنا حين قرأت هذا الاجتزاء «العبقرى» «الفهلوى» الذى ارتكبه الصحفى الذى يرجو أن يشتهر بهذا «المانشيت» الركيك. وربما تبتسم أيضًا حين تجد ميليشيات الإخوان والمواقع المغمورة قد تناقلت الخبرَ فى لمح البصر ليملأ تويتر وفيس بوك. لكنك لن تبتسم بالتأكيد حين ترى صحفًا وازنة وبرامجَ تليفزيونية يشاهدها آحادُ الناس أو ملايينهم، وقد اعتبرت هذا الخبر «حقيقةً دامغةً» لا شك فيها، رغم أن اللقاء التليفزيونى الذى قلتَ فيه عكس هذه الفبركة موجودٌ ملءَ السمع والبصر على يوتيوب، على مرمى ضغطة زرّ Play!

تعرفُ بالتأكيد ماذا سيحدث. ستمتلئ صفحتُك بالسباب والشتائم (الجنسية) والخوض فى إيمانك وشرفك والتهديد والوعيد. وهاتفك، الذى وضع رقمَه على فيس بوك «شريفٌ» آخر، سوف يضجُّ برسائل التهديد بالقتل وتنفيذ حدّ الحرابة فى جنابك.

حرّاسُ العقيدة أولئك، الذين تنبتُ لهم ذقونٌ فجأة حسب الطلب، يدافعون عن «الله»، الذى لا يحتاج دفاعَهم، بالأكاذيب والسبّ الإباحى والخوض فى الأعراض! أولئك جعلوا من أنفسهم ظلالَ (اللة) (هكذا يكتبون اسمه تعالى: بالتاء المربوطة!) جلّ وتسامى عمّا يفعلُ السفهاءُ منّا. هم أبناء ثقافة: «لا تقربوا الصلاة» ويغفلون ما تلاها: «وأنتم سُكارى»، ربما لأنهم سُكارى! هل أنتظرُ أن يقولوا فى الغد إن هذا المقال ينهى عن الصلاة؟!

f.naoot@hotmail.com