رمضان بالمصرى.. «فوانيس رمضان».. قناديل الفاطميين تضىء «قاهرة المعز»

كتب: أحمد محجوب الأحد 22-07-2012 17:45

كان الجميع منشغلاً.. القادة يعيدون التعليمات على الجنود عدة مرات ليتأكدوا من «الانضباط»، والعمال مشغولون بتزيين طرق القاهرة.. والصناع يحاولون وضع اللمسات الأخيرة على القصر المنيف الذى يستعد ليصبح «دار الملك».. فيما يجلس المصريون فى مدينة الفسطاط داخل بيوتهم الضيقة، يترقبون هذا المغربى القادم من «البلاد البعيدة» ليبنى فيما بعد عاصمة البلاد الجديدة.. «القاهرة».

فى الخامس من رمضان عام 358 هجرية، كان آلاف المصريين يخرجون إلى الشوارع بعد الإفطار ليتعرفوا على «الخليفة الجديد»، ويدعى المعز لدين الله.. فالرجل، وعلى خلاف العادة منذ فتح مصر عام 21 هجرية، لم يأت من دمشق «عاصمة الأمويين»، ولا من بغداد «عاصمة العباسيين»، ولا من «جزيرة العرب» كما كان الحال فى عهد الخلافة الراشدة.. هذه المرة الخليفة قادمٌ من شاطئ المحيط الأطلسى، أو «بحر الظلمات» كما كان يسميه البحارة وقتها، ويعتقدون أنه نهاية العالم.

وصل المعز لدين الله الفاطمى، وسط موكب مهيب، لينقل للأبد عاصمة الدولة الفاطمية إلى القاهرة، ويبسط سلطانه على شمال أفريقيا وأجزاء من الشام، ويعلن أول «خلافة شيعية» من قلب القاهرة، المدينة التى بناها جوهر الصقلى، قائد جند الخليفة ووزير دفاعه، ووضع «المسجد الأزهر»، فى قلبها تماماً.

ولأن المرء لا يشاهد كل يومٍ بلاده وهى تتحول من «ولاية» إلى «دار الخلافة»، ولأن الحدث كان تاريخياً بكل المقاييس، خرج آلاف المصريين بعد الإفطار يحملون القناديل فى أياديهم ليروا هذا القادم الغريب، والخليفة «المغربى» الذى لا يعرف أحد نواياه أو خططه.

الخليفة الجديد هو المعز لدين الله أبوتميم معد بن منصور، رابع خلفاء الفاطميين، تولى الخلافة منذ 953 ميلادية، حتى 975، واستعان بجوهر الصقلى أو جوهر الرومى «وكان مملوكاً تعود أصوله إلى كرواتيا حاليا»، ليشق طريقه فى قلب الدولة العباسية المتهالكة، ويبنى عاصمته.

كان الخامس من رمضان فى ذلك العام «عيد ميلاد الفانوس».. ففكرة أن يحمل الجميع قناديل تضىء ليل القاهرة فى رمضان احتفالاً بالشهر الكريم، بدأت من هنا، حسب غالبية روايات المؤرخين.. الإضاءة وحالة الفرح والشعور بوقوع «حدث تاريخى»، أراد المصريون بهدوء أن يخلدوه فى تاريخهم، وكما سعد الخليفة الجديد بهذا الاستقبال الحافل، كما فسره له وزراؤه، فرح المصريون باختراع «رمضانهم» الخاص جداً، ليصبح الفانوس «صنعة مصرية» 100%.

كان دخول الفاطميين فى مصر عصر التحولات المجتمعية الأكثر عمقاً منذ الفتح الإسلامى للبلاد، فعلى مر نحو 350 عاما، ظلت مصر أغلبية قبطية كاسحة، وأقلية مسلمة، رغم أن الحكام طوال تلك الفترة كانوا من المسلمين، والدولة نفسها كانت تابعة لدار الخلافة سواء انتقلت من المدينة إلى دمشق أو من سوريا إلى بغداد فى العراق.

فى عهد الفاطميين بدأ المصريون يتعرفون عن قرب على تفاصيل «الحياة الإسلامية»، وبدا أن الميزان الدينى سوف يتغير للأبد لتصبح الأغلبية للمسلمين، فى الوقت نفسه، اكتسب المجتمع المصرى عادات وتقاليد منها الفانوس.. هذه التقاليد لم تصبح فقط «علامة مصرية» داخل الوطن لكنها امتدت خارجه أيضا، فانتشرت صناعة الفوانيس من القاهرة الفاطمية بطول الإمبراطورية التى ورثها الفاطميون، وبدا أن القاهرة تضىء - بالقناديل التى أضاءت للمعز - فى ليالى الشهر الكريم فى فلسطين وسوريا والأردن والسودان والمغرب العربى. مرت الفوانيس بمراحل تطور مختلفة، فمنذ 1100 عام كان الفانوس قنديلاً من المعادن والزجاج، بدأت أحياء فى قلب «دار الخلافة» مثل الغورية وخان الخليلى وغيرهما، تضيف إبداعاً مصرياً خالصاً، فوضعت فى بدايات العصر المملوكى المشربيات التى تحاكى مشربيات البيوت على الفوانيس، وتنوعت ألوانها، خاصة أنها أصبحت جزءاً من طقس رمضان للأطفال، وللتفرقة بينها وبين القناديل التى تعلقها العائلات الموسرة على أبواب البيوت، تعمد الصانعون تصغير حجمها، واستخدام الصفيح بدلاً من الحديد، ليصبح أخف وزنا، وأقل سعراً ليباع للأطفال.