مثول «كينياتا» أمام «الجنائية الدولية».. سابقة تاريخية تفاقم عزلة «البشير» (تحليل)

كتب: الأناضول الخميس 09-10-2014 15:47

لم تكن الـ5 سنوات الأخيرة في حكم الرئيس السوداني، عمر البشير، عادية، إذ شهدت ملاحقة من المحكمة الجنائية الدولية للرجل المتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور غربي البلاد، رغم نجاحه في حشد تأييد أفريقي لموقفه الرافض لولاية المحكمة. إلا أن مثول الرئيس الكيني، أهورو كينياتا، أمام المحكمة في لاهاي، الأربعاء، في سابقة لم تحدث من قبل لرئيس دولة في المنصب، عقد موقف البشير، وقد يكسر الرفض الأفريقي للمحكمة، وربما يضع الرئيس السوداني وبلاده في «عزلة» خلال الفترة المقبلة، حسب مراقبين.

وبدأت قصة البشير والجنائية الدولية في 2009، حينما حررت المحكمة مذكرة اعتقال بحقه على خلفية تهم بارتكاب «جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية» في إقليم دارفور، الذي يشهد نزاعًا بين الجيش ومتمردين منذ 2003 خلف 300 ألف قتيل وشرد نحو 2.5 مليون شخص، حسب إحصائيات أممية، قبل أن يضيف قضاة المحكمة في 2010 تهمة الإبادة الجماعية للائحة التهم الموجهة للبشير.

فيما رفض الرئيس السوداني الاعتراف بالمحكمة «المدعومة» من الاتحاد الأوروبي، ورأى أنها «مسيسة ومجرد أداة استعمارية موجهة ضد القادة الأفارقة»، ونجح في تسويق هذه الفكرة بحصوله على تأييد نادر من قمة الاتحاد الأفريقي في مدينة سرت الليبية في العام 2009 والتي قررت بالإجماع منع الدول الأعضاء من التعامل مع المحكمة. ولا تملك المحكمة شرطة لتنفيذ أوامر الاعتقال وتعتمد في ذلك على البلدان الموقعة على ميثاقها وهي 121 دولة 34 منها أفريقية.

ومنذ ذلك الحين، اقتصرت زيارات البشير الخارجية على دول عربية وأفريقية حليفة واعتذرت بعض البلدان الأفريقية عن استقباله مثل جنوب أفريقيا ومالاوي والأخيرة تنازلت عن حقها في استضافة القمة الأفريقية في فبراير 2010، حتى لا تستقبل البشير لتفادي الضغط الغربي عليها.

ورفضت واشنطن في سبتمبر 2013 منح البشير تأشيرة دخول إلى أراضيها للمشاركة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. والولايات المتحدة ليست عضوًا في المحكمة، لكنها داعمة لها وسبق أن اتهمت الخرطوم سلاح الجو الأمريكي بمحاولة القرصنة على طائرة كانت تقل البشير من طهران إلى بكين في يونيو 2011.

وفي نوفمبر 2011، أصدرت محكمة كينية قرارًا يلزم السلطات باعتقال البشير حال وصوله الأراضي الكينية، إلا أن البشير لم يسافر إلا هناك، ورغم ذلك اعتبر مراقبون خطوة المحكمة بأنها مؤشرًا على تحايل الدولة الأفريقية على قرار قمة سرت، وقد تنتهج دولًا أخرى الأمر نفسه كمخرج مناسب للحكومات التي تعاني من ضغط غربي يصل حد منع المعونات عند استقبالها البشير دون اعتقاله.

وفي يوليو 2013 غادر البشير العاصمة النيجيرية أبوجا، قبل أقل من 24 ساعة من وصوله للمشاركة في قمة أفريقية بعد أن رفع ناشطون دعوى قضائية في المحكمة العليا لإلزام الحكومة باعتقاله. لكن الموقف داخل الإتحاد الأفريقي انقلب مرة أخرى لصالح البشير بعد إتهام المحكمة الجنائية للرئيس الكيني أوهورو كينياتا ونائبه وليام روتو بإرتكاب «جرائم ضد الإنسانية» لتدبيرهما أعمال العنف التي أعقبت انتخابات 2007، وخلفت أكثر من ألف قتيل.

ووفر اتهام المحكمة لكينياتا وروتو دعما للبشير من دولة ذات نفوذ إقليمي مثل كينيا والتي نجحت في عقد قمة أفريقية في أكتوبر 2013، خلصت القمة الأفريقية إلى إرسال مذكرة إلى مجلس الأمن الدولي تطالب بتعليق التهم الموجهة للرؤساء الأفارقة وعدم محاكمتهم أثناء ولايتهم الرئاسية.

ولم يستجب مجلس الأمن لطلب القادة الأفارقة، فيما طلبت المدعية العامة للمحكمة الجنائية، فاتو بنسودا، من المجلس في يونيو 2014، «اتخاذ خطوات ذات مغزى لإلقاء القبض على المشتبه بهم وتقديمهم إلى العدالة لأن العملية القضائية للمحكمة لا يمكن أن تتم من دون اعتقال».

ووسط تنشيط الخرطوم لجهازها الدبلوماسي في القارة الأفريقية لعقد قمة خاصة لمناقشة العلاقة مع المحكمة الجنائية بعد رفض مجلس الأمن طلبهم، «صدمت» بمثول الرئيس الكيني أمام المحكمة، على حد قول محمد الأمين نوري، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم. وقلل نوري من قيمة عقد القمة لاحقا بالقول «مثول كينياتا أمام المحكمة خرق مبكر لاتفاق القادة الأفارقة ويفقد القمة أي تأثير لها في حال عقدها».

وحول تأثير الخطوة على الرئيس البشير، قال أنها «تُفقد حكومته المناصرة الأفريقية وتضعها وحيدة في مواجهة المحكمة الجنائية وتزيد من عزلتها». ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية أن يكون مثول الرئيس الكيني أمام المحكمة «مدبر بالاتفاق بين الطرفين ما يعود عليهما بمكاسب، حيث تتم تبرئة الرئيس الكيني مقابل منح المحكمة مصداقية أكبر».