الثورة الثانية المطلوبة

ضياء رشوان الجمعة 20-04-2012 21:01

مصر الآن فى واحدة من أخطر مراحل تاريخها منذ أن تأسست دولتها الحديثة على يد محمد على قبل أكثر من مائتى عام. ولأنها مرحلة غير مسبوقة فى كل هذا التاريخ وممتلئة بالتفاعلات والانقسامات والاختلافات والأهداف المتداخلة والمتعارضة، فإن النظر إليها وتقييم أطرافها وحقيقة أدوارهم فيها يبدو شديد التناقض بين كل من يحاول القيام بذلك. ولأن المرحلة حرجة وسيولتها عالية، فإن الأمر لا يتوقف على النظر والتقييم بل يمتد فى كثير من الأحيان إلى اتخاذ المواقف وتبنى السياسات من جانب كل الأطراف السياسية والحزبية فى البلاد، بما يدخلها من جديد فى مزيد من الحرج والسيولة.

ووسط هذه الحالة يلقى الجميع بالمسؤولية على الجميع، بما يجعل المشهد أكثر عبثية مما يحتمله أى عقل، فالخلاصة التى يجد المواطن البسيط نفسه أمامها هى أن الجميع متهمون، وأن الجميع مسؤولون عما وصلت إليه البلاد بعد نجاح ثورتها العظيمة. والنتيجة الطبيعية لهذه الحالة من التضارب والتناقض والاتهام أن يجد هذا المواطن البسيط نفسه فى حالة من انعدام الثقة فى جميع أطراف الساحة السياسية، وبعدها فى الثورة نفسها وفى ضرورتها وجدواها.

وفى الطريق الذى يقذف فيه الجميع الجميع بالاتهامات، ويمارس فيه الجميع أخطاء بل خطايا، تتساقط مؤسسات وأحزاب وأجهزة ونقابات وائتلافات وجمعيات أهلية وشخصيات عامة، كلها معاً تشكل ما هو متعارف عليه باسم «الدولة»، التى ليست هى النظام السياسى بل هى الكيان الأكبر الذى يضم كل هؤلاء.

كرة ثلج الخلافات والصراعات والمناورات التى بدأت صغيرة قبل عام راحت تتضخم فى تدحرجها وهى تجتاح فى طريقها معظم ما انتزعه المصريون وبنوه فى أيامهم الثمانية عشر المجيدة من 25 يناير إلى 11 فبراير من العام الماضى. ويأتى هذا فى اللحظة الأهم التى من المفترض أن يجتمع فيها هؤلاء المصريون لإقامة الركنين الباقيين لنظامهم السياسى الجديد وهما صياغة الدستور وانتخاب الرئيس، بعد أن أقاموا الركن الأول وهو انتخاب مجلسى البرلمان. الشكوك المتبادلة والاتهامات المتناثرة والمناورات المتتالية والثقة التى تتآكل يوماً بعد آخر بين أطراف الحالة السياسية تهدد اليوم بصورة جدية وخطيرة قدرة المصريين على إنجاز إقامة الركنين الرئيسيين الباقيين، أى استكمال الثورة وتحويلها إلى دولة.

الاحتمالات التى يفتحها شكل التفاعل الحالى فى مصر، المنساب والسائل والمتغير كل لحظة بلا حدود ولا قواعد واضحة، تبدو أكبر وأخطر مما قد يتخيل الكثيرون وإن كانت اليوم على ألسنة عديدة، لكنها تبدو بالنسبة لمعظمهم بمثابة توقعات نظرية لن تحدث فى الواقع. هذا الواقع الذى يتعقد أكثر يوماً بعد آخر لن يكون أكثر هيمنة على المصريين وقواهم السياسية وأشد استبداداً مما كان عليه نظام حسنى مبارك الذى نجحوا فى إسقاطه بثورتهم العظيمة.

ومن هنا فإن المصريين وقواهم السياسية جميعها مطالبون اليوم بالثورة على خلافاتهم واتهاماتهم المتبادلة ومناوراتهم الصغيرة وأهدافهم الخاصة الأصغر لكى نتجاوز عنق الزجاجة القصير الباقى على استكمال بناء أركان النظام السياسى الجديد. إن الشهرين القادمين هما روح الثورة وجوهرها، فإن ضاعا منا فى خلافات ومناورات صغيرة واتهامات لا تتوقف فقد ضاعت ثورة يناير، وليس أمامنا سوى أن ننتظر الثورة الثانية التى لن تكون أبداً مثلها، فالعنف المفتوح والعشوائى سيهدد حينها مصر وشعبها بصورة جدية وقد تكون مؤكدة.

diaarashwan@gmail.com