6 أكتوبر.. بين عبقرية الروح و«طلوع الروح»

مي عزام الإثنين 06-10-2014 21:42

منذ أسابيع قليلة كنت على موعد مع صديقة في إحدى دور النشر وسط القاهرة، عندما دخلت كانت تجلس مع سيدة تجاوزت الستين من عمرها، فألقيت التحية، وانشغلت بتصفح أغلفة الكتب المعروضة، لكن صديقتي نادت عليّ وقالت: انت ماتعرفيش الدكتورة (....) ؟

شعرت ببعض الارتباك لأنني لم أتعرف عليها، فالصورة التي تنشر مع مقالاتها وأخبارها تعود إلى عشرين عاما مضت، وشكلها اليوم مختلف تماما.
بعد انصرافها عبرت عن استيائي من الصحف التي تهمل تحديث صور الكتاب والشخصيات العامة التي تنشرها مع الموضوعات. رد زميل يشرف على قسم الرأي في صحيفة كبرى قائلا: هذا غير حقيقي، نحن نطلب من كل كاتب صورة حديثة، أو نرسل له مصورا من طرفنا، لكن بعضهم يصر على الصورة القديمة، وأضاف مبتسما: يريدون أن يظلوا شبابا في عيون القراء.

كلنا نتمنى الشباب الدائم، وفي أعماقنا نتمنى أن نظل في أجمل صورة بعيدا عن التجاعيد وتأثيرات الزمن، لكن ذلك مجرد أمنية تتناقض مع سنة الحياة وحركة الزمن.

تذكرت هذا المشهد، وأنا أتابع أحاديت ضيوف الفضائيات عن الذكرى 41 لانتصارنا في حرب أكتوبر، 41 عاما عمر طويل، لكننا مازلنا نتعامل مع الحدث وكأن الزمن توقف عند عام 1973، وكأن لحظة الانتصار نقطة منفصلة في التاريخ ولا ترتبط بمسار الزمن الذي عاشته مصر ومازالت تعيشه، فنحن في كل عام نستعيد لحظة التوهج الوطني، ونتكلم كثيرا عن كيفية انتصارنا في الماضي على عقبات كانت تبدو مستحيلة حينها، وكيف استطاع رجال مصريون مخلصون ومحترفون أن يجدوا حلولا جديدة يتحايلون بها على أوجه النقص التي كنا نعانى منها، وكيف كان الجندى المصرى على الجبهة على مستوى عال من التدريب مستعدا للتضحية بحياته فداء للوطن.

سألت نفسي: هذه البطولات كانت منذ 41 عاما، لكن أين بطولاتنا الآن، ومنذ ذلك التاريخ؟، نحن نتحدث عن روح أكتوبر، وكأننا نذكر «محاسن المرحوم»، فالإرادة كانت، والنصر كان، والبطولات بأثر رجعي، كأن الـ41 عاما علينا وليست لنا، فمصر التي كانت تنتظر الرخاء بعد النصر واتفاقية السلام، صارت أكثر فقرا ومرضا وعشوائية، تقوقعت داخل حدودها، وفقدت الكثير من دورها الإقليمي والعربى، واستكانت لوهم روجته بنفسها، وهو أن «حرب أكتوبر هي آخر الحروب»، كان من المنتظر أن تنعم مصر بالرخاء وتتأهل للدخول في عملية تنمية وتطوير شامل تجعل منها قوة اقتصادية كبيرة كما حدث مع النمور الأسيوية التي سبقناها في العديد من الصناعات، ولكن ما حدث كان مخالفا تماما لكل التوقعات، التنمية كانت لصالح فئة دون العامة، واتسعت الهوة بين الأثرياء والفقراء في مصر وتراكمت الديون علينا. ولم نحقق أي نهضة صناعية تذكر، وتحول الوطن لسوق بدائية كبيرة تعج بمخلفات المصانع الصينية من الدرجة الثالثة، ومنتجات مصانع «بير السلم» واقتصاد الأتوبيسات والأرصفة.

بعد هزيمة 1967، كانت مصر في حالة استنفار للدفاع عن صورتها، رفعت راية التحدي لإزالة عار الهزيمة، ورد شرفها العسكري، تم إعادة بناء القوات المسلحة وتدعيم معنوياتها وتنظيم صفوفها، وانتظمت الجبهة الداخلية في عملية بناء وإنتاج ومساهمة في الاستعداد للثأر ورفض الهزيمة، وتطهير مؤسسات الدولة، دون تقاعس من الدولة عن توفير السلع ودعم الأسعار، وتقديم مختلف الخدمات، فلم يشعر المواطن المصري العادي بآثار سلبية على حياته اليومية برغم حملات التبرع للمجهود الحربي، لكن المؤسف أن هذه الروح انطفأت بعد انتصار 73، لقد حدث العكس.. دخلنا مرحلة انفتاح أدت لارتفاع جنوني في الأسعار وتردي الخدمات المقدمة من الدولة، خاصة التعليم والصحة؛ مما أدى لتصدع وانهيار للطبقة الوسطى وتغير في قيم المجتمع بشكل لا يحدث إلا بعد خسارة الحروب والغزو الأجنبي لبلد، انتصرنا في الحرب وانهزمنا في الواقع.

أنا لا أريد أن أفسد فرحة المصريين بذكرى آخر انتصاراتهم التي مر عليها 41 سنة، ولكنني أتمنى أن نتذكر النصر كأمل ودرس يحفزنا على الانتصار الآن وغدا، بدلا من ارتضاء الهزيمة النفسية والاقتصادية والحضارية التي نعيش فيها منذ عقود.
ذكرى أكتوبر ليست تحية لانتصار انتهى ولن يعود، لكنها يجب أن تكون حافزا يعبر عن عظمة وقدرات شعب من حقه أن يسعى إلى انتصارات جديدة ومشرفة في كل جوانب الحياة.

عيشوا بروح أكتوبر.... اجعلوها حياة في المستقبل، وليست مجرد ذكرى في الماضي نتفاخر بها يوما واحدا كل عام.

مي عزام
EKTEBLY@HOTMAIL.COM