يقول الطاهر بن جلون الكاتب المغربي في روايته «تلك العتمة الباهرة» المستلهمة من شهادة أحد المعتلقين السابقين في السجون المغربية: «آه من رائحة القهوة الصباحية والخبز المحمص، آه من وثر الشراشف الدافئة وشعر امرأة ترتدي ثيابها، آه من صياح الأولاد في ملعب المدرسة، ورقصة الدواري في كبد سماء صافية، ذات عصر! كم هي أشياء الحياة البسيطة وكم هي مرعبة حين لا تعود هنا، دونها المستحيل إلى الأبد».
يُقبل العيد، وكلٌ يشرع في طقوسه لاستقباله، آباء يدبرون الأموال لشراء ملابس العيد لأطفالهم وإدخال السرور على قلوبهم، وأمهات تتبارى في صناعة أشكال وصنوف الطعام لتزيين موائد العيد، وآخرون يخططون للخروج من صخب المدينة ولو لبضعة أيام هي مدة إجازة العيد، بينما يعكف مجموعة من الشباب علي إعداد أرشيف كامل عن رسائل المحبوسين لذويهم خارج السجون، في محاولة لتوثيق ما صنفوه «أدبًا للسجون»
وتستعرض «المصري اليوم» أبرز الأجزاء التى وردت في هذه الرسائل:
عمر الحاذق
يعتبر الأديب المصري عمر الحاذق فترة سجنه تجربة ملهمة له كأديب، حتى أنه احتفل بصدور روايته «روائي المدينة الأول» في السجن، ويراجع الآن رواية أخرى انتهى من كتابتها عن حياة السجن بعنوان «الحياة باللون الأبيض».
يقول عمر في أحد رسائله: «عرفت كيف يمكن أن تتطور كتابة كاتب واحد بين ديسمبر ومارس، كيف يمكن أن تتطور شخصيتي وتنضج رؤيتي والإنسان والزمن بسبب تجربة السجن، كيف يمكن أن يتغير الإنسان حين يرى في نهاية الزيارة، كل 15 يومًا، أطفالًا يتعلقون بآبائهم المساجين.. منفجرين في البكاء؟ طفلة صغيرة لا يمكن أن تعرف معنى (سجن) تصرخ وتبكي بكل ذرة في جسدها.. متوسلة إلى أبيها المنهار أن يرجع معهم إلى البيت».
سلسلة الرسائل التي يكتبها عمر الحاذق وضع لها عنوان «الحياة جميلة يا أصدقاء»، نُشر منها 11 رسالة حتى الآن، وفي أحد هذه الرسائل قُبيل عيد الفطر الماضي، كتب عُمر: «حين أفكر في عيد الفطر القادم، لا أدري سأكون حياً أم شهيدًا، حرًا خارج القضبان أم حرًا خلفها، غنيًا أم فقيرًا، أدري فقط أننا جميعًا سنكون أكثر حرية».
شريف فرج
أما شريف فرج، معيد الفنون الجميلة الحُر الآن، بدا جازعًا في رسالته الأولى التي كتب فيها: «السجون أماكن فاسدة بكل ما فيها.. هواؤها فاسد، ماؤها فاسد، طعامها فاسد.. كلها وكل ما فيها فاسد! وهل يفعل الفساد في العباد إلا فسادًا في أذواقهم وأجسادهم وعقولهم ونفوسهم»، وطالب «فرج» أصدقاءه خارج السجن بأن يفعلوا شيئًا كي يخرُج من السجن، لأنه «يحب الحياة مثلهم».
وعلى مايبدو أن مكوثه في السجن 210 يومًا قد بدّل شعوره، إذ جاءت رسالته الثانية مختلفة، والتي نوى أن يكتب فيها عن عمره الضائع في السجن، ولكن غيّر رأيه بعدما اطلع على رسالة ابنة زميل له، ونشرها كما هي بأخطائها الإملائية، و جاء فيها: «عارف يا بابا أنا حاسة إنى قلبى انكسر عارف لما تحس ان حاجة بعيد عنك لكن شايفها وسمعها وحاسسها انا كدة، عارف انا عندى خروجك بالدنيا كلها ولا عايزة مطروح ولا هدوم عيد ولا اكل ولا اشرب بس احس بقعدتك معنا، هل الجبل يتحمل ما تتحمله أنت يا أبى؟ إمضاء بنت البطل».
أحمد ماهر
ينفذ الناشط أحمد ماهر حُكماً بثلاثة أعوام في سجن طرة، ويستغل هذه الفرصة في كتابة سلسلة مقالات، أكثرها في التعليق على الأحداث، تُنشر على مدونة «صوت أحمد ماهر»، لكن بعضها ذاتيّ وغير متعلق بالأحداث السياسية، ومن ذلك رسالته «لماذا أكتب؟»، ويتحدث فيها عن كتاباته في مدة سجنه الأولى عام 2006، والتي نشر بعضها، وتخلصت منها أمه بعد ذلك بعد أن اجتهد في الاحتفاظ بها.
جاء في مقال «ماهر»: «في إحدى المرات سألت أحد الضباط، هل يمكن إدخال (آي باد) أو كمبيوتر للكتابة علشان (خطي وحش)، فنظر لي كأني مختل عقليا أو كأن فضائي وتقريبا كان يجز على أسنانه أو يشتم في سره، فتداركت الموقف وأضفت، دا للكتابة فقط، مش عايزين شريحة أو نت، عايز حاجة للكتابة بس، فانفجر في الضحك الهستيري قائلاً: (مش تحمد ربنا إن عندك ورقة وقلم غيرك مش لاقيهم)».
علاء عبدالفتاح
في الفترة بين 2011 و 2014، اعتاد الناشط والمدون علاء عبدالفتاح الدخول والخروج للسجن، ولد ابنه «خالد» في فترة سجنه الأولى، وتوفي والده الناشط أحمد سيف قبل خروجه من السجن آخر مرة، وعن ميلاد ابنه وهو داخل السجن، وحلول العيد، وحلول عيد ميلاده، كتب علاء عبدالفتاح في مدونة «منال وعلاء»: «الموظفين والشوايشة وبتوع المباحث لازم يعيدوا وده معناه السجن يشتغل بنص طاقته. يبقى أقفل الزنازين بقى أربع أيام متواصلة لا فسحة ولا زيارات ولا جرائد ولا أكل من بره ولا أي حاجة».
أضاف في رسالته المعنونة بـ«عيد بأي حال عدت يا عيد»: «طيب العيد وعدى، وعيد ميلادي وهيعدي، اتعودت اقضيهم بعيد عن الأهل، لكن ولادة خالد، ابني البكري هفوتها إزاي؟ هستحمل إزاي مبقاش جنب منال في الوقت ده؟ هستحمل إزاي استنى الأخبار وأعرف هما بخير ولا لأ؟ هستحمل إزاي مشوفش وشه؟ ومشوفش وش أمه لما تشوف وشه؟».