إلى من ستذهب أصوات الخارجين من السباق؟

ضياء رشوان الأحد 15-04-2012 21:00

أوشكت معركة انتخابات الرئاسة على الوصول إلى تشكُّل ملامحها النهائية قبل أقل من أربعين يوماً على موعد الاقتراع، فقرارات لجنة الانتخابات الرئاسية باستبعاد عشرة مرشحين من المتقدمين للسباق الرئاسى، من بينهم ثلاثة من الرئيسيين، وضعت الناخب المصرى، للمرة الأولى منذ انطلاق الحملات الانتخابية، أمام قائمة تبدو نهائية، بحيث يمكنهم اتخاذ قرارهم التصويتى بدرجة أعلى من الوضوح والحسم مما كان عليه الأمر خلال المرحلة الماضية، التى غلب عليها الغموض غير البناء والتردد غير المسبوق فى مثل هذه الانتخابات.

وبالرغم من هذا الاستقرار النسبى لقائمة مرشحى الرئاسة ولتوجهات أصوات الناخبين، فإن خروج المرشحين العشرة والذى سيحسم نهائياً خلال الساعات المقبلة وسيعلن رسمياً يوم 26 من الشهر الحالى، لاتزال آثاره غير واضحة ولا محددة على بقية المرشحين ولا اتجاهات تصويت الناخبين. فحسب معظم استطلاعات الرأى العام المدققة والعلمية، فقد كان كل من السيد عمر سليمان والأستاذ حازم أبوإسماعيل وبعدهما المهندس خيرت الشاطر فى مقدمة المرشحين، باستثناء السيد عمرو موسى الذى كان يأتى فى معظمها فى المقدمة، ويكاد يصل تأييد هؤلاء الثلاثة إلى نحو خمسين بالمائة من أصوات المستطلعين.

وهنا يطرح السؤال المهم والحاسم حول الاتجاهات التى سوف تذهب إليها هذه النسبة الضخمة من الأصوات، التى خرج مرشحوها من السباق. وإجابة هذا السؤال ليست بالسهلة ولا بالبديهية، حيث إن التصويت المصرى، سواء فى الواقع الحقيقى أو فى استطلاعات الرأى العام، لا يتحدد بالضرورة حسب التوجه السياسى أو الفكرى للمرشحين، بل تتحكم فيه عوامل كثيرة معقدة من بينها هذا التوجه. ومعنى هذا بصورة محددة أنه ليس حتمياً أن تتوجه أصوات المرشحين الخارجين من السباق إلى نظرائهم الباقين فيه، فتذهب أصوات الإسلامى الخارج إلى الإسلامى المستمر، أو القيادى فى النظام السابق إلى نظير له باق فى المنافسة.

وعلى هذا فإذا كان البدء بخروج السيد عمر سليمان وهو المحسوب بصورة كاملة على نظام مبارك، فإن الاستمرار المتوقع للفريق أحمد شفيق الذى يشاركه الدور نفسه فى هذا النظام لن يعنى بالضرورة انتقال جميع الأصوات التى كان سيأخذها سليمان إليه. وربما يزيد من هذا الاحتمال أن عوامل عديدة مما أدت إلى التصاعد المفاجئ لشعبية سليمان لا تتوافر هى نفسها فى شخصية أو خبرة شفيق. ويضاف إلى هذا أن نسبة لا بأس بها من أصوات سليمان قد أتت على حساب عمرو موسى، فمن المرجح فى حالة خروجه أن تعود غالبيتها إلى صاحبها الأصلى. كذلك فإن نسبة من مؤيدى سليمان كانت قد أتت من التخوفات الأخيرة، من بعض قطاعات المجتمع، من تصاعد النفوذ الإسلامى الإخوانى والسلفى، معتبرة إياه الأقدر على مواجهته، وهو الأمر الذى قد لا يتوافر - حسب تصورهم - بالضرورة فى الفريق شفيق، فسيبدأون فى البحث عن المرشح الذى يعبر عن رفضهم ويلبى هذا الاحتياج المهم بالنسبة لهم، وهو ما يصعِّب تحديد من الذى تنطبق عليه هذه المواصفات فى اللحظة الحالية.

وربما يكون التوقع الأكثر سهولة هو المتعلق بالأصوات التى كانت ستذهب إلى مرشح الإخوان المهندس خيرت الشاطر، فهى فى معظمها أصوات أعضاء ومحبى الجماعة الملتزمين بقراراتها القيادية، وهى أصوات ستذهب فى غالبيتها الساحقة إلى مرشحها البديل الدكتور محمد مرسى، رئيس حزب الحرية والعدالة. ومع ذلك فإن أصواتاً أخرى كان من المتوقع أن تذهب إلى الشاطر من بعض القطاعات الإسلامية التى تجذبها شخصيته وتجربته وأفكاره قد لا تذهب بالضرورة إلى الدكتور مرسى، نظراً للاختلاف بينهما فيها. وتبقى بعد ذلك شريحة صغيرة من أصوات الشاطر من الوارد أن تذهب إلى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، ليس تعبيراً عن الإعجاب بنموذجه المختلف بقدر ما قد تكون رهاناً على شعبيته، التى يبدو أنها تتزايد فى أوساط قطاعات من النخبة والفئات الحضرية.

وتبقى المعضلة الكبرى الحقيقية هى الأصوات التى كان سيأخذها الأستاذ حازم أبوإسماعيل فى حالة خروجه. فأصوات المرشح السلفى كانت تأتى من قطاعين رئيسيين: الأول هو الحركة السلفية والثانى هو بعض الفئات والطبقات الشعبية البسيطة التى جذبتها شخصية الرجل وأداؤه البسيط الجذاب. وبالنسبة للقطاع الأول، فهو ليس كتلة واحدة منسجمة، وقد كان جزء منه حتى فى وجود أبوإسماعيل يتجه للتصويت لصالح الشاطر، ومن هنا فإن المرجح أن ينقسم هذا القطاع إلى ثلاث كتل: الأولى، وهى الأكبر، ستتوجه إلى الدكتور مرسى باعتباره الأقرب للنموذج الإسلامى، الذى تراه الأصلح من المرشحين الإسلاميين الآخرين: الدكتور أبوالفتوح والدكتور سليم العوا.

وأما الكتلة الثانية، وهى الأصغر من السابقة، فسوف تتفتت بين بقية المرشحين بمن فيهم المرشحون الإسلاميون السابقون ومعهم بعض المرشحين من غير المحسوبين على التيار الإسلامى، ومن بينهم ليبراليون أو قوميون أو يساريون. ومن المرجح أن تكون الكتلة الثالثة، وهى الأصغر، هى من الذين سوف يعتزلون المشاركة فى المعركة الرئاسية، احتجاجاً وإحباطاً من خروج مرشحهم المفضل، وهو الأستاذ حازم أبوإسماعيل، وبالتالى فلن يشاركوا فى التصويت على الأرجح.

وأما القطاع الثانى المؤيد لأبوإسماعيل من الفئات والطبقات الشعبية البسيطة، فإن مصير أصواتهم سيظل رهناً بنظرتهم إلى بقية المرشحين ومدى تعبيرهم عن مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية ومخاوفهم الأمنية والسياسية. ومن هنا فإنه من المرجح أن تتفتت هذه الأصوات بصورة واسعة، فيذهب بعض منها إلى المرشحين الإسلاميين الثلاثة، كتعبير عن استمرار التأييد الفكرى والسياسى السابق لأبوإسماعيل، ويذهب البعض الآخر إلى من يرونه مطالباً بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، وفى مقدمتهم السيد حمدين صباحى، بينما يذهب البعض الثالث للمرشح الذى يظنون قدرته على إدارة الدولة وإعادة الأمن، والمرجح أن يكون السيد عمرو موسى.

ومع ذلك فإن احتمال امتناع جزء من هذا القطاع الثانى عن المشاركة فى العملية الانتخابية دعاية، وتصويتاً هو احتمال وارد، نتيجة إحباطهم من خروج مرشحهم المفضل من السباق الرئيسى، بعد أن راهنوا عليه وظنوا أنه الأقرب إلى الفوز.

وبالرغم من كل هذه التوقعات التى هى ليست مؤكدة، فإن الأصوات التى كانت ستذهب للمرشحين الثلاثة الكبار المرجح خروجهم من المنافسة، التى تزيد على نصف الأصوات، ستكون محلاً لصراع عنيف بين المرشحين المستمرين لاجتذابها من كل منهم بجميع الطرق المتاحة. ومن هنا فعلى الرغم من النتائج الدالة التى تعطيها استطلاعات الرأى العام حتى اليوم لكل من المرشحين والمراكز التى يحتلها كل منهم فيها، فإن تغيرات كبرى تبدو واردة ومحتملة فى توجهات الناخبين خلال الأسابيع الخمسة المتبقية حتى يوم الاقتراع، الذى ستظهر فى نهايته إرادة المصريين الحقيقية، وقد تحولت إلى واقع رقمى لا يقبل الاجتهاد أو الرفض، وليست مجرد تحليلات أو تكهنات كهذه التى حملتها السطور السابقة.

diaarashwan@gmail.com