لمن يتذكر، فى عام ٢٠٠٠ ألقى «آل جور»، مرشح «الحزب الديمقراطى» للرئاسة الأمريكية، «خطاب التنازل» بعد معركة انتخابية ضارية ضد جورج بوش الابن، وصلت إلى حد تعليق إعلان النتائج لأكثر من ٣٦ يوماً. وذلك بعد أن جاءت تقارير عن مشاكل فى لجان تصويتية محددة فى ولاية فلوريدا، والتى من «المصادفة» أن حاكمها كان «جيب بوش»، الشقيق الأصغر لجورج بوش. كانت هناك «مزاعم بالتزوير» استوجبت إعادة الفرز بناءً على طعن «آل جور». وبالفعل ثبت أن هناك «خطأ فنياً» فى ماكينات فرز الأصوات، مما استوجب فرزاً يدوياً.
لكن بعد الفرز النهائى، وبعد حصول «آل جور» على عدد من الأصوات بالفعل، ظل العدد الكلى للولاية فى صالح جورج بوش، مما استوجب إعلانه رئيساً. السؤال المصيرى: كيف تعامل «آل جور» و«أولاد آل جور» مع قرار المحكمة العليا بنتائج الانتخابات؟ ولماذا لم «يخرجوا إلى الشارع» معترضين ثائرين محتجين «مطربقين الدنيا فوق دماغ الجميع»، كما قد يتصور البعض هذا على أنه «البرهان» الأوحد للتمسك بقيم الحرية والديمقراطية؟
أترككم فقط مع ترجمة لمقتطفات من خطاب «آل جور» لعله، ودون شرح أو تعليق مستفيض، يوضح من نفسه بعض النقاط التى تتعلق بسيادة القانون، بتقبل النتائج، باحترام القضاء، وإن لم يعجبنا حكمه، بالتأكيد على بناء «مؤسسات ديمقراطية» وتعميق ثقة وإيمان الشعب بتلك المؤسسات وبالعملية السياسية نفسها، التى من شأنها وضع قواعد التنافس الحزبى، الذى يبدأ تدريجيا ويستمر إلى حين، حتى يصل إلى الذروة. ولكنه بنهاية الحملات سرعان ما يتحول إلى توحُّد على خطة وطنية بين أحزاب سياسية باتت متصارعة وأصبحت متعاونة. لعل الخطاب يفيد «أولاد أبوإسماعيل» و«أولاد سليمان» و«أولاد الشاطر» وكل «الأولاد»!
«منذ لحظات، تحدثت مع جورج بوش وهنأته على كونه الرئيس 43 للولايات المتحدة. عرضت عليه أن ألقاه عما قريب لكى نبدأ فى رأب الصدع الذى أحدثته الحملة الانتخابية، فمنذ قرن ونصف تقريباً، قال السيناتور (ستيفن دوجلاس) (لإبراهام لنكولن)، بعد أن هُزم أمامه فى سباق الرئاسة: (الشعور الحزبى يجب أن يرضخ للوطنية. أنا معك، سيدى الرئيس، وبارك الله فيكم).
من هذه الروح ذاتها، أقول للرئيس المنتخب بوش إن ما تبقى من حقد حزبى يجب أن يُنحّى جانباً. وأدعو الله أن يبارك قيادته لهذا البلد. فلا أنا ولا هو توقعنا مثل هذا الطريق الطويل والوعر، وبالتأكيد لم يرد أىٌ منا أن يحدث ذلك، لكن الطريق جاء كذلك والآن قد انتهى، وحُل كما يجب أن يُحَل، من خلال مؤسساتنا الديمقراطية العريقة. فالآن قرار المحكمة الأمريكية العليا قد تحدث. وليكن واضحاً دون مجال للشك، فى حين أننى أعترض بشدة على قرار المحكمة، إلا أننى أقبله. أوافق على هذه النتيجة النهائية التى سيتم التصديق عليها فى الهيئة الانتخابية. ولذلك، الليلة، من أجل وحدة شعبنا وقوة ديمقراطيتنا، أقدم تنازلى.
أنا أتقبل مسؤوليتى أيضاً، دون قيد أو شرط، بأن أحترم الرئيس الجديد المُنتخب، وأن أبذل كل جهد ممكن لمساعدته على جلب الأمريكيين معا لتحقيق الرؤية العظيمة التى يحددها «إعلان الاستقلال»، والتى يؤكدها دستورنا ويدافع عنها. ففى تاريخنا، امتدت الخلافات بيننا لأسابيع قبل أن نصل إلى قرار. وفى كل مرة، قَبِل كلٌ من المنتصرِ والمهزوم النتيجة سلمياً وبروح تصالحية.
لذلك فلنستحضر هذه الروح. أنا أعلم أن كثيرين من مؤيدىّ يشعرون بخيبة أمل. أنا أيضا. ولكن يجب أن يتغلب حبنا لبلادنا على خيبة أملنا تلك. فقد أعرب البعض مثلاً عن قلقهم من أن طبيعة هذه الانتخابات الاستثنائية قد تعرقل الرئيس المقبل فى تسيير أعماله. أنا لا أعتقد أننا بحاجة لمثل هذا الوضع. بوش الرئيس المنتخب يرث أمة من مواطنين جاهزين لمساعدته على القيام بمسؤولياته الكبيرة. وسوف أكون شخصيا تحت تصرفه، وأدعو جميع الأمريكيين، وأحث بشكل خاص كل الذين وقفوا معنا على التوحد خلف رئيسنا المقبل.
هذه هى أمريكا. تماماً كما نتصارع بقوة، نضم الصفوف ونتحد عند انتهاء السباق. ورغم أن المستقبل سيتيح لنا مناقشة خلافاتنا المستمرة، الآن علينا أن ندرك أن ما يوحدنا أكبر مما يفرقنا. فبينما لا نتخلى عن أفكارنا المتعارضة، إلا أن هناك واجباً أعلى من انتمائنا لحزب سياسى. هذه أمريكا ونحن نضع البلاد قبل الحزب. ولذلك سوف نقف معا وراء رئيسنا الجديد.
والآن، يا أصدقائى، فى عبارة قد خاطبت بها آخرين: (لقد حان الوقت لى أن أذهب)».