السادات وإعداد الجبهة الداخلية لحرب أكتوبر

طارق عباس الجمعة 03-10-2014 20:45

أدرك السادات أن خطورة التحديات التى يواجهها وتواجهها مصر تفرض عليه التحرك السريع، لضمان تماسك الجبهة الداخلية ووحدة قيادتها السياسية، لهذا أقدم على عدة إجراءات كان لها دور مهم فى إعداد المسرح لحرب أكتوبر المجيدة، من هذه الإجراءات:

1- التخلص من مراكز القوى: بمجرد تسلم السادات مقاليد الحكم فى مصر، وجد نفسه مقيدا بمجموعة من الأشخاص المهيمنين على كل شىء يتعلق بإدارة البلاد، يأمرون وينهون ويصدرون القرارات دون استشارة أحد، حتى إن كل واحد منهم كان يعتبر فى حد ذاته حاكما لمصر، وقد زاد نفوذ هؤلاء فى أواخر عهد عبدالناصر، بل أصروا حتى بعد رحيله على جعل كل شىء بيدهم، منهم: على صبرى نائب عبدالناصر لشؤون الطيران، شعراوى جمعة نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية وأمين تنظيم الاتحاد الاشتراكى، سامى شرف سكرتير عبدالناصر، محمد فائق وزير الإعلام، محمد لبيب شقير رئيس البرلمان وغيرهم.. لكن السادات، الرئيس الجديد، لم يكن مستعداً لقبول شركاء له فى الحكم، ولم يكن يرى أى مصلحة لمصر فى بقاء هؤلاء حائلاً بينه وبين أى قرار يفكر فى اتخاذه، فلجأ إلى ما سماه الناصريون «تصفية الخصوم السياسيين» وما سماه هو: «ثورة التصحيح والقضاء على مراكز القوى».

وفى 2 مايو 1971، أبلغ السادات سكرتيره سامى شرف بإعفاء على صبرى من منصبه، على أن ينشر الإعفاء فى الصفحات الأولى من الجرائد. وفى 11 مايو، طلب ضابط شرطة زيارة الرئيس السادات وأسمعه تسجيلات صوتية ورد فيها أن مبنى الإذاعة سوف يحاصر كى لا يستطيع السادات الحديث إلى الشعب، وبأنه شخص ساذج لا يفقه شيئاً فى أمور الحكم. وفى الثالث عشر من مايو، كلف الرئيس السادات ممدوح سالم- محافظ الإسكندرية فى ذلك الوقت- بتولى منصب وزير الداخلية بدلاً من شعراوى جمعة، وكلف سامى شرف بإبلاغه القرار.

حاول سامى شرف إقناع السادات بالتراجع لكنه رفض، واحتجاجا على موقف السادات وإحراجا له أيضا، قام سامى شرف نفسه بتقديم استقالته ومعه محمد فوزى ولبيب شقير، فما كان من السادات إلا أن قلب الطاولة رأساً على عقب وقبل الاستقالات كلها، ثم أعطى الأوامر بنشر أخبارها فى جميع المجلات والصحف.

كان السؤال الخطير الذى يطرح نفسه فى هذه الظروف: هل سيحاول وزير الحربية الفريق أول محمد فوزى إدخال القوات المسلحة فى هذا الصراع الرهيب بين مجموعته ورئيس الجمهورية؟

لقد أثبتت مجريات الأحداث فى ذلك اليوم أن الفريق محمد فوزى لم يسع مطلقاً أو يحاول الزج بالقوات المسلحة فى هذا الصراع الذى كان دائراً على أشده، ولم يثبت أنه اتصل بأحد من القادة من أجل تحريك أى قوات عسكرية من ثكناتها، وكل ما فعله أنه ترك مقر القيادة العامة وعاد إلى منزله ليجد نفسه هو وبقية أفراد المجموعة محاطين بأفراد الحرس الجمهورى فى عربات «جيب» مسلحة، بعد أن أبلغوهم بأن إقامتهم محددة فى منازلهم. وفى مساء الأحد 16 مايو، أصدر السادات أوامره بالقبض عليهم جميعاً وإيداعهم السجن، انتظاراً لمحاكمتهم، ثم كلف السادات، الدكتور محمود فوزى، بتشكيل حكومة جديدة خالية من كل أعضاء مراكز القوة، وفى الوقت نفسه، أعاد هيكلة قيادات القوات المسلحة، كما اختار حسين الشافعى ليكون نائبه الجديد.

وفى أغسطس عام 1971، حوكم 99 متهما، منهم «صحفيون ووزراء وقياديون فى الاتحاد الاشتراكى» أمام محكمة الثورة، التى تشكلت برئاسة «حافظ بدوى»، رئيس مجلس الشعب، وعضوية كل من: «بدوى حمودة وحسن التهامى»، بينما مثل الادعاء «مصطفى أبوزيد فهمى»، المدعى العام الاشتراكى، وقضت المحكمة فى جلستها العلنية بإعدام المتهمين: «على صبرى وشعراوى جمعة وسامى شرف»، ثم أمر رئيس الجمهورية بتخفيف الأحكام للأشغال الشاقة المؤبدة، كما أصدرت المحكمة حكمها على الفريق أول «محمد فوزى» بالأشغال الشاقة المؤبدة وخفف الحكم إلى 15 سنة، وكذلك حكمت على «محمد فائق» بالأشغال الشاقة مدة 10 سنوات، و«لبيب شقير» بالحبس مع الشغل مدة سنة ووقف التنفيذ 3 سنوات، وقد أفرج عن بعض هؤلاء إما لأسباب صحية أو نتيجة عفو رئاسى، وبهذا نجح السادات فى القضاء على بؤرة من أهم بؤر التوتر التى كانت تمثل خطراً حقيقياً على الأمن والاستقرار داخل مؤسسات الدولة.

.. وللحديث بقية فى الأسبوع المقبل.