وهب الزعيم الهندي المهاتما غاندي، الذي تحل ذكرى ميلاده، الخميس 2 أكتوبر، حياته لنشر سياسة المقاومة السلمية أو اللاعنف واستمر على مدى أكثر من خمسين عاما يبشر بها.
«غاندي»، المولود في 1869، كان السياسي البارز والزعيم الروحي خلال حركة استقلال الهند، وكان رائدًا «للساتياغراها» وهي مقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدني الشامل، التي تأسست بقوة عقب «اللاعنف الكامل».
وترصد «المصري اليوم» أبرز المحطات في حياة المهاتما غاندي من خلال كتاب «السيرة الذاتية لغاندي»، الذي كتبه غاندي وترجمه محمد إبراهيم السيد.
بداياته
1- ولد غاندي في بوربندر بولاية غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بوربندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة.
2- تزوج في عام 1883، وهو في 13 من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية، وكانت زوجته كاستوربا في الـ14 من عمرها، ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.
كفاحه
3- سافر غاندي إلى بريطانيا عام 1882 لدراسة القانون، وعاد إلى الهند في يوليو عام 1890، بعد حصوله على الإجازة الجامعية التي تخوله ممارسة مهنة المحاماة.
4- وبحث غاندي عن فرصة عمل مناسبة في الهند يمارس عن طريقها تخصصه ويحافظ في الوقت نفسه على المبادئ المحافظة التي تربى عليها، لكنه لم يوفق فقرر قبول عرض للعمل جاءه من مكتب للمحاماة في «ناتال» بجنوب أفريقيا، وسافر بالفعل إلى هناك عام 1893 وكان في نيته البقاء مدة عام واحد فقط لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يعدل عن ذلك واستمرت مدة بقائه في تلك الدولة الأفريقية 22 عامًا.
5- كانت جنوب أفريقيا مستعمرة بريطانية كالهند وبها العديد من العمال الهنود الذين قرر غاندي الدفاع عن حقوقهم أمام الشركات البريطانية التي كانوا يعملون فيها، وتعتبر الفترة التي قضاها بجنوب أفريقيا (1893- 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي، حيث أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة، واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني. وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك.
6- كان من ثمرات جهوده آنذاك: إعادة الثقة إلى أبناء الجالية الهندية المهاجرة وتخليصهم من عقد الخوف والنقص ورفع مستواهم الأخلاقي، وإنشاء صحيفة «الرأي الهندي» التي دعا عبرها إلى فلسفة اللاعنف، وتأسيس حزب «المؤتمر الهندي لنتال» ليدافع عبره عن حقوق العمال الهنود، ومحاربة قانون كان يحرم الهنود من حق التصويت، وتغيير ما كان يُعرف بـ«المرسوم الآسيوي» الذي يفرض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة، وقام بتغيير عزم الحكومة البريطانية تحديد الهجرة الهندية إلى جنوب أفريقيا، ومكافحة قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية.
7- عاد غاندي من جنوب أفريقيا إلى الهند عام 1915، وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية.
8- ركز عمله العام على النضال ضد الظلم الاجتماعي من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين واعتبر الفئة الأخيرة التي سماها «أبناء الله» سبة في جبين الهند ولا تليق بأمة تسعى لتحقيق الحرية والاستقلال والخلاص من الظلم.
9- في عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية، مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في عام 1924.
10- تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية، مما أوقع هذه السلطات في مأزق، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك، وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت معاهدة غاندي- إيروين.
11- قرر غاندي في عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجًا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى «اتفاقية بونا» التي قضت بزيادة عدد النواب «المنبوذين» وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.
12- تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجًا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانًا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول الوسط، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند.
13- قرر غاندي في عام 1934 الاستقالة من حزب المؤتمر والتفرغ للمشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها الريف الهندي، وفي عام 1937 شجع الحزب على المشاركة في الانتخابات معتبرًا أن دستور عام 1935 يشكل ضمانة كافية وحدًا أدنى من المصداقية والحياد.
14- وفي عام 1940 عاد إلى حملات العصيان مرة أخرى فأطلق حملة جديدة احتجاجًا على إعلان بريطانيا الهند دولة محاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها، واستمر هذا العصيان حتى عام 1941 كانت بريطانيا خلالها مشغولة بالحرب العالمية الثانية ويهمها استتباب أوضاع الهند حتى تكون لها عونًا في المجهود الحربي، وإزاء الخطر الياباني المحدق حاولت السلطات البريطانية المصالحة مع الحركة الاستقلالية الهندية فأرسلت في عام 1942 بعثة عرفت باسم «بعثة كريبس» ولكنها فشلت في مسعاها، وعلى أثر ذلك قبل غاندي في عام 1943 ولأول مرة فكرة دخول الهند في حرب شاملة ضد دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك، وخاطب الإنجليز بجملته الشهيرة «اتركوا الهند وأنتم أسياد»، لكن هذا الخطاب لم يعجب السلطات البريطانية فشنت حملة اعتقالات ومارست ألوانا من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه حيث ظل معتقلا خلف قضبان السجن ولم يفرج عنه إلا في عام 1944.
15- بانتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد على جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل.
16- تم ذلك بالفعل في 16 أغسطس 1947، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حدًا تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد على خمسة آلاف قتيل.
17- وتألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام 1947/1948وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالبًا بشكل خاص الأكثرية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة.
18- لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهر 79 عاما.
حياته الخاصة وفكره
19- غاندي معروف في جميع أنحاء العالم باسم المهاتما غاندي، ومهاتما ليس اسمه الحقيقي، وفي اللغة السنسكريتية المهاتما يعني «الروح العظيمة»، وهو تشريف تم تطبيقه عليه من قبل الشاعر رابندراناث طاغور.
20- رُشح غاندي لجائزة نوبل للسلام خمس مرات، أعوام 1937، 1938، 1939، 1947 وفي النهاية عام 1948، قبل أيام من اغتياله، بالرغم من ذلك لم يحصل على الجائزة لأنه لم يكن «سياسيًا حقيقيًا أو ناشطًا من أجل الإنسانية».
21- غاندي لم تكن له أسنان، وكان لديه طاقم أسنان يركبه بشكل دائم، وبعد الانتهاء من أي وجبة يأكلها، يقوم بخلعها وتنظيفها بقماشة.
22- قرأ ثمانين كتاباً عن المسيحية، وقال عن موعظة الجبل «إنها غاصت إلى سويداء قلبي عند قراءتها للمرة الأولى»، واعتبر مبدأها بأن يُرَدَّ الشر بالخير وأن يحب الإنسان كل الناس حتى الأعداء، أسمى ما يعبر عن المثل الأعلى الإنساني، وصمم على أن يؤثر الفشل بهذه المبادئ على النجاح بغيرها.
23- كانت نباتيًا، وتعتبر نباتيته موروثًا ثقافيًا تحول عنده إلى قناعة وإيمان، فأنشأ ناديًا نباتيًا، بإنجلترا، ورأسه الدكتور أولدفيلد، محرِّر مجلة «النباتي»، وصار السيد ادوين آرنولد نائباً للرئيس، وغاندي أميناً للسر.
24- أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ«المقاومة السلمية» أو فلسفة اللاعنف «الساتياغراها»، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولًا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت.
25- تأثر غاندي بعدد من المؤلفات كان لها دور كبير في بلورة فلسفته ومواقفه السياسية منها «نشيد الطوباوي» وهي عبارة عن ملحمة شعرية هندوسية كتبت في القرن الثالث قبل الميلاد واعتبرها غاندي بمثابة قاموسه الروحي ومرجعا أساسيا يستلهم منه أفكاره، إضافة إلى «موعظة الجبل» في الإنجيل، وكتاب «حتى الرجل الأخير» للفيلسوف الإنجليزي جون راسكن الذي مجد فيه الروح الجماعية والعمل بكل أشكاله، وكتاب الأديب الروسي تولستوي «الخلاص في أنفسكم» الذي زاده قناعة بمحاربة المبشرين المسيحيين، وأخيرا كتاب الشاعر الأمريكي هنري ديفد ثورو «العصيان المدني»
26- كان «غاندي» خجولًا جدًا لدرجة أنه كان يتحجر عند التحدث في الأماكن العامة، حتى إنه تخلى عن إحدى القضايا لأنه لم يتشجع للتحدث أمام الجميع.
27- عرف العالم «غاندي» بأنه دائمًا ما كان يرتدي قطعة قماش حول الخاصرة، لكن ما لا يعرفه أحد أنه أثناء إقامته في لندن، ارتدى القبعات، وبدلًا، وحمل عصا إنجليزية.
28- كان «غاندي» يتحدث الإنجليزية بلكنة أيرلندية، لأن واحدا من أقرب أساتذته كان أيرلنديًا.
29- أثناء إقامته في إنجلترا، حاول «غاندي» العيش مثل الإنجليز، وتعلم كيفية الرقص والعزف على الكمان.
30- «غاندي» رجل منضبط للغاية، ولهذا السبب كانت أهم ممتلكاته ساعة يد ثمينة، لدرجة أنه في 30 يناير 1948، أثناء اغتياله كان «غاندي» مستاءً لأنه تأخر في الوصول إلى اجتماع الصلاة.
31- في 1931، كان «غاندي» يحضر أول بث إذاعي للولايات المتحدة، وكان أول شيء سمعه الناس منه: «هل لا بد أن أتحدث في هذا الشيء؟» ربما كان هذا مثالا على كراهيته الشديدة.
32- غاندي أرسل إلى هنري فورد، الذي كان من أشد معجبيه، عجلة غزل موقعة، وهذه العجلة التي حاول «فورد» تطويرها خلال الحرب العالمية الثانية.
33- اتجه «غاندي» إلى العزوبية في عمر الـ38، وعدم ممارسة الجنس نهائيا حتى مع زوجته، وهو نذر، يدعى «براهماشاريا» وفقًا للغة السنسكريتية، إحدى اللغات المحلية الهندية، والتي تقضي بتقييد النظام الغذائي، لذا اعتمد في غذائه على الأكل غير المطبوخ مثل الفواكه والخضراوات وحليب الماعز، كما امتنع عن ممارسة الجنس، بهدف اختبار مدى قوة عزيمته على البقاء بعيدا عن الجنس، وبدأ بتبادل سريره مع النساء، وهو الفعل الذي لاقى بسببه الكثير من الانتقادات، وذلك بهدف التركيز على مهمته كداعية.
34- عندما كان صغيرا، لم يكن يتوقع أحد أنه سيقود الملايين من الناس، خاصة أنه لم يكن مجتهدا في الدراسة وكان دائم الهرب من المدرسة والذهاب للبيت بسبب خجله وعدم رغبته في التحدث لأي شخص.
35- كان «غاندي» عاشقا للمشي وكانت عادته اليومية، وكان يصف المشي بـ«أمير الرياضات» ويقال إنه اكتسب هذه العادة عندما كان صبيًا صغيرًا، كما اعتاد المشي من 8 إلى 10 كم يوميا عندما كان يدرس القانون في لندن، بينما كان عادة يومية لغاندي، وفاجأ العالم عندما مشي حوالي 241 ميلًا جنبًا إلى جنب مع العديد من المقاتلين عن حرية الهند، وكان وقتذاك في الـ60 من عمره.
36- عمل «غاندي» في نشر للكتب أثناء وجوده في جنوب أفريقيا في 1894، لاستغلال شغفه واهتمامه المتزايد بالباطنية المسيحية، ولنشر أدب الباطنية المسيحية عمل ناشرا للكتب، بالإضافة لكونه محاميا، ناشطا حقوقيا واجتماعيا وسياسيا، ومروجا للنظام النباتي، وأبوالهند، والقائد العظيم.
37- كان «غاندي» صاحب نظام «المجتمع التجريبي» لتنمية المجتمع وبنائه من جديد على الحقيقة والسلام، والذي يقوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي عن طريق بناء مجتمع زراعي، وتربية الحيوانات، وتربية البقر، والأنشطة ذات الصلة، وتأسيس مدارس تركز على العمل اليدوي والزراعة ومحو الأمية، وإلى الآن توجد جماعات كبيرة في الهند تتبع هذا النظام، الذي يعد من أهم أسباب نهضة الهند.
38- لا توجد أي علاقة صلة أو قرابة بين المهاتما غاندي وأنديرا غاندي، رئيس وزراء الهند، برغم اشتراكهما في الاسم الأخير.