عنوان هذا المقال ليس من عندى ولكننى استقيته من تصريح قرأته فى جريدة «التونسية» اليومية لأحد قيادات حركة النهضة التونسية التى حاز الحزب المعبر عنها أغلبية أعضاء الجمعية التأسيسية التونسية فى الانتخابات التى أجريت هناك منذ عدة أشهر. قرأت هذا التصريح فى 29 فبراير أى بعد أن حصل النهضة على الأغلبية بعدة أسابيع، فلم تأخذهم العزة بالإثم ولم يغيروا من توجهاتهم التى نادت بالتوافق والتعاون مع جميع القوى التونسية والتى أعلنوها قبل إجراء الانتخابات وحصولهم على نسبة 40٪ وكان يمكنهم أن يتحالفوا مع قوى إسلامية أخرى تجعلهم الأغلبية بدلاً من الأكثرية.
والأمر المهم هو أن النهضة عندما حصلت على أكثرية الأصوات لم تتغطرس وتستقو وتقل إن الإرادة الشعبية أعطتها الحق فى رسم المستقبل كما تراه، لأنها تدرك ثلاثة أمور: الأول أن قوة سياسية واحدة لن تستطيع حل مشكلات تونس وأزماتها بمفردها. والثانى أنها تدرك أن الأكثرية التى حصلت عليها فى انتخابات الجمعية التأسيسية والمنوط بها صياغة الدستور التونسى لا تعطيها الحق فى أن تصوغ دستورا على مقاسها هى فقط، فهناك 60% من الناخبين أعطوا أصواتهم لتيارات أخرى من حقها أن تدلى بدلوها فى الدستور الجديد. والثالث أن النهضة تدرك أن ترتيبات ما بعد سقوط نظام استبدادى، جرف الحياة السياسية وشل القوى السياسية وسبب الركود فى المجتمع، تتطلب توافقاً عاما وتنسيقا ما بين جميع القوى حتى ينهض المجتمع وتستعيد القوى السياسية عافيتها.
والذى يؤكد ذلك ما أعلنته النهضة الأسبوع الماضى من أن الدستور التونسى الجديد لن يتضمن مادة تنص على أن الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، وقال راشد الغنوشى زعيم الحركة ومؤسسها ومرشدها الروحى إن ذلك يأتى لأنه يحرص على السلام السياسى. وبدأت النهضة محادثات مع السلفيين من أجل «تشجيعهم على العمل فى إطار قانونى سواء من خلال جمعيات أو فى أحزاب سياسية»، وذلك بعدما بدأ السلفيون تحركات فى الشارع تطالب بتطبيق الشريعة فى تونس، ونظموا مظاهرات مضادة لحرية الإبداع، مثل تلك التى نظموها أمام المسارح فى الاحتفال بيوم المسرح العالمى.
أما لدينا فى مصر فقد تعامل الإسلاميون بفصائلهم المختلفة مع أحداث ما بعد الثورة بمنطق انتهازى، وكأنهم يدركون أن الأغلبية التى حصلوا عليها هى أغلبية مصنوعة أو مؤقته لابد من استثمارها سريعاً فى تنفيذ مشروعهم السياسى ولتذهب باقى القوى السياسية الأخرى الى الجحيم، وحتى لو اشتعل المجتمع وغابت عنه الشرعية والاستقرار. وتصرف الإسلاميون باعتبار أن الوطن كله غنيمة وليس كتابة الدستور فقط، فعقدوا الاتفاقات فى الغرف المغلقة مع المجلس العسكرى الذى يدركون جيدا أنه يمثل الثورة المضادة، أى أنها كانت اتفاقات لوأد الثورة والقضاء عليها. ثم اتفق الإخوان والسلفيون والجماعات الإسلامية معا على الاستئثار بكل شىء من لجان مجلس الشعب ثم الجمعية التأسيسية للدستور، وأعادوا إنتاج تجربة الحزب الوطنى ولكن بصورة أسوأ لأنها تمزج بين الاستبداد السياسى والمتاجرة بالدين وتوظيف الدينى فى الدنيوى، وأقاموا تجربة يرفع لها ميكيافيلى قبعته احتراما لهم لأنهم تفوقوا عليه وهو أستاذهم.
ولن أطلب من الإسلاميين أن يتأسوا بزملائهم من أعضاء حزب النهضة التونسى وأن يوزعوا «الغنيمة» بالعدل والقسطاس، باعتبار أن «من يأكل بمفرده يزور»، ولكن عليهم فقط أن يعوا دروس التاريخ، لأن التجارب تؤكد أن الثورة عندما تنطلق لا توقفها مؤامرات ولا اتفاقات، وأن الفاشية نفسها هزمت، وتحالفات العسكريين مع الفاشيين فى أكثر من بلد انهارت وخسر الطرفان لصالح الشعوب. فعلى الإسلاميين فى مصر أن يدركوا أن سرقة السلطة لن تفيد بأى شىء وأن الربيع العربى مثلما أسقط رؤوس الأنظمة فسوف يسقط أجسادها وبقاياها. وعليهم أن يثبتوا للشعب أنهم ليسوا من بقايا هذه الأنظمة، وذلك بالممارسة والمواقف وليس بالكلام.